لا شيء في الأفق يدل على أن الأميركيين ينجحون في سياسة ممارسة الضغط على إيران لثنيها عن الاستمرار قدما في برنامجها النووي، إذ كلما زادوا في تشديد عقوباتهم الاقتصادية ضدها زادت إيران من جرعة إرادة المضي في برنامجها النووي حتى نهاياته المرسومة من جانب حكومة أحمدي نجاد، حتى ليظن المرء أن الإيرانيين يزدادون قوة كلما مضت واشنطن قدما في تضييق الخناق التجاري من حولها.

Ad

الأميركيون ومعهم الإسرائيليون وما يسمونه بالمجتمع الدولي ماضون بدورهم أيضا في التهويل على المقاومة الإسلامية اللبنانية وقوى المعارضة الحليفة لها، بأن ما ينتظرهم من قرار ظني سيصدر بين الفينة والأخرى ضد كوادر من «حزب الله» اللبناني، قد يشعل فتيل حرب لا تبقي ولا تذر في المنطقة، لكن ذلك بدوره لم يفت من عضد المقاومة كما لم يؤثر قيد أنملة في تماسك جبهة المعارضة اللبنانية الوطنية بوجه الضغوط الأميركية والدولية الرامية لتركيع إرادة اللبنانيين، بل إن ما نمى إلى أسماع كل متابع بأن إرادة المقاومة لديهم تزداد يوما بعد يوم إلى الحد الذي باتوا «يشتهون فيه ساعة حلول المنازلة الكبرى» كما جاء على لسان سيد المقاومة.

في العراق أيضا لم تنفع كل المناورات ولا السيناريوهات التي أرادت أن تعطل المساعي الإيرانية– السورية– التركية– السعودية لإخراج العراق من دائرة النفوذ الأميركي المباشر إلى دائرة الحوض العربي الإسلامي، وهكذا كان ما كان وخرجت بغداد من دوامة العنف الأميركي– الإسرائيلي المخرب للسلم الأهلي العراقي عندما نجحت جهود دمشق وطهران في إخراج العراق من دوامة الفراغ الاستراتيجي الذي أريد لها في عصر إعادة تموضع قوات الاحتلال الأميركي المتقهقرة عن أسوار بغداد.

وأما في فلسطين حيث ولادة الانتفاضات الشعبية التي عانت ولا تزال أبشع أنواع الاستعمار الاستئصالي والاغتصاب الاحتلالي للأرض والحقوق، فإنها هي الأخرى لم ترضخ بعد ولم تستسلم للكم الهائل من الضغوط الكونية ولا تزال شامخة بوجه كل أنواع التآمر والتواطؤ والخيانة سواء تلك المنهمرة عليها من الأغيار أو تلك الموجهة من الأقربين والموغلة عميقا في الجرح النازف، ولم يفلح كل أنواع الاحتيال والخداع والمماطلة والتسويف الدولي في فرض أجندة المفاوضات العبثية والباطلة على شعب فلسطين العظيم لا بضفته ولا بقطاعه ولا بمهجره ولا في أرض 48 الحبيبة.

وإذا كان لبنان قد وضع في عين العاصفة بفعل تعاظم ضغوط محور واشنطن تل أبيب على دولته ومن تبقى من أنصاره من قوى «ثورة الأرز» تحت ظلال سيف القرار الظني والمحكمة الدولية، فإن معادلة «السين سين» التي أرادتها أكثرية لبنانية وطنية جسرا للعبور إلى ما بعد القرار الظني والمحكمة، وإن ثمة من يعمل على قدم وساق لإضافة كل من إيران وتركيا إلى الجهد السوري السعودي لتصبح معادلة السين سين، معادلة «ساست» هي المخلص المرتقب للخروج من أزمة الثقة التي تكاد تطيح باتفاق الدوحة الشهير.

وبانتظار التئام قمة إيرانية– سعودية مرتقبة وقدوم الزعيم التركي الطيب أردوغان إلى لبنان، يستمر الجدل اللبناني اللبناني حول دور الأميركي المتآمر على طوائف لبنان المختلفة لاسيما المسيحية منها، والتي لم يكشف الأمين العام لحزب الله اللبناني في خطابه الأخير إلا رأس جبل الجليد منها والحبل على الجرار.

ليس وحده ذلك اللبناني المقاوم الذي ينتظر ساعة «المنازلة الكبرى» و»يشتهيها»، بل إن الأنباء المتواترة التي تنمى إلى أسماع كل متتبع ومراقب تفيد بأن ثمة جهدا فلسطينيا لبنانيا سوريا إيرانيا تتسع قواعده، يعمل ليل نهار لمواجهة أي قرار أحمق أو مقامرة قد يلجأ إليها الكيان الصهيوني بالعدوان على لبنان, صحيح أنه لن يكون البادئ بالحرب وأنه سيمنح الفرصة الكافية للمظلة العربية التي تطوعت لنزع فتيل الانفجار الذي يريدونه للبنان من الداخل عبر القرار الظني الإسرائيلي الأميركي، لكن الصحيح أيضا أنه سيكون في أكثر الأزمنة جهوزية لخوض واحدة من أكثر المعارك مفصلية في تاريخ لبنان والعرب والعالم الإسلامي الحديث، كما تؤكد مصادر وثيقة الصلة بمطابخ صنع القرار في كل من طهران ودمشق والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

ومع ذلك ثمة من يؤكد من وسط الدخان والغبار المكتظة بهما سماء لبنان، بأن الجهد العربي السوري- السعودي والمدعوم إيرانياً وتركياً، سيتمكن من نزع فتيل الانفجار وسيسقط القرار الظني تحت وابل كثيف من القرائن والوثائق والمستندات التي سيواصل الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله كشفها في الأسابيع المقبلة.

وإذا ما نجح هذا الجهد في تخطي موانع ومعوقات القوى الكبرى المتبنية للمحكمة الدولية، وكذلك للرغبة الملحة في نزع سلاح المقاومة على قاعدة اتهام المقاومة «بالإرهاب» فإن ذلك سيعني فيما يعني نجاح المحور السوري الإيراني المقاوم والممانع في لعبة شد الحبل ضد فريق أو معسكر ما صار يعرف بمعسكر الاعتدال العربي المراهن على الإدارارات الأميركية المتعاقبة.

أن ينجح بشار الأسد وأحمدي نجاد في جر المملكة العربية السعودية بجناح ملكها «المعتدل» إلى دائرة الإقليم الجديد الداعم لقضيتي لبنان وفلسطين المقاومتين، على حساب صقور معسكر الاعتدال في كل من الرياض ومصر وفرنسا، وضمانهما لتركيا هي بمنزلة عامل توازن إقليمي مؤثر وأساسي، ما يعني بالتأكيد أن الجغرافيا السياسية للمنطقة تتجه مع الزمن بكل قوة باتجاه مزيد من الخسائر للمشروع الأميركي، ونجاح ملموس ومنحوت على أرض المعركة الممتدة ساحاتها من بنت جبيل في جنوب لبنان وصولا إلى جبال زاغروس في إيران.

وهنا يبدو الملف النووي الإيراني قد اجتاز عنق الزجاجة رغم أنف تل أبيب, وهو ما ستظطر دول «الخمسة زائد واحد» أن تقبله على مضض في جولاتها الجديدة المرتقبة مع المفاوض الإيراني، ما يعني فشلا آخر أكثر فداحة من فشل انفجار القرار الظني وهو الأمر الذي سيقرب بلاشك حسم صراع الإرادات المستعر بين طهران وواشنطن حول استراتيجيتين متضادتين لمصلحة الأولى، وهو الأمر الذي سيغير وجه المنطقة بلاشك أو تردد.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني