محمد المزيني: السرد هو إعادة إنتاج الواقع برؤية أدبية
سرد الروائي محمد المزيني ملامح متنوعة من تجربته الروائية، مشيراً إلى أهمية تنوع مصادر المعرفة لدى الفرد، مشدداً على ضرورة التحرر من الرقابة على الإبداع والفكر.
ضمن فعاليات البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الكويت الخامس والثلاثين للكتاب، قدم الروائي السعودي محمد المزيني تجربته مع الرواية، متناولاً اهم المحطات في حياته الأدبية خلال محاضرة اقيمت مساء امس الأول، ادارت الجلسة الاديبة ليلى العثمان. وفي مستهل الأمسية رحّب محمد المزيني بالحضور ثم بدأ حديثه قائلاً: "ربما الاستماع إلى حديث المثقف أو الروائي وهو يسرد تجربته الشخصية يكون مملاً، لكن عندما فكرت في الحديث عن تجربتي الروائية قررت التركيز على قضية هامة تشغل الكويت، وهذه القضية نلمسها بما نشاهده من أحداث عبر الفضائيات، وهي متعلقة بتغير الوعاء الفكري الكويتي، ولا شك في اننا في المملكة العربية السعودية سبقناكم في هذا الامر، وتعرضنا نحن الشباب في ذلك الوقت لهذا الشد والجذب إلى ان تكونت مسيرة الصحوة".يشير المزيني إلى أنه ما زال يحاول الخروج من تداعيات مأزق الصحوة، مؤكداً أن ما يكتب الآن ما هو إلا مظاهرة صامتة أو كما يقال إن الرواية هي استفاقة الكلوم او الصامتة وإعادة انتاج الواقع للحياة مرة اخرى، شارحا كيفية انخراطه في هذه الجماعات، وكيف كوّن ما يسمى الخلايا للغوص في المدارس والجامعات لتكوين قوة تتحرك وفق إرادة القيادة، مشيرا إلى ان هناك قيادات استطاعت ان تشكل هذه الخلايا التي ليست سرية إنما ظاهرة للعيان، مؤكداً أنها واجهت في البداية كثيرا من الحرب والتهميش، ولكنها في سنوات قليلة استطاعت ان تخترق المجتمع السعودي وتدخل المنازل البرجوازية والارستقراطية لإعادة بنائها من جديد لبناء اهداف استيطانية فكرية وسياسية.حس أدبيوأوضح المزيني أنه كان واحدا من الذين استقطبوا في هذه الفترة، مشيراً إلى أن الاستقطاب كان نافعا، إذ اخرجه من حيز الصمت إلى عالم الضجيج وتداعيات الافكار واكتشاف العالم والقيادة والمسؤولية، لاسيما بعد اجتيازه دورات عدة اصبح قياديا بينهم، ثم تحدث عن مرحلة تشكيل شخصيته وبداية بزوغ الحس الأدبي لديه متناولاً بذلك تفاصيل هذه المرحلة الهامة.وفي حديث عن مرحلة الطفولة يؤكد المزيني أنه كان يعيش في إحدى حارات مدينة الرياض، مستذكراً ساعة جلوسه عند غروب الشمس مستغرقاً في الحديث مع إحدى الفتيات المماثلة له بالعمر، إذ لم يكن يتجاوز السادسة، متطرقاً إلى شجون وهواجس الأطفال.حسرة وحزنكما استطرد المزيني في حديثه قائلاً: "في أحد "العصاري" ذهبت لابحث عن هذه الطفلة لكنني لم اجدها في دهاليز الحي، شعرت بالحزن على هذا الغياب ولم يتلمس هذه الحسرة سوى جدتي رحمها الله فدعتني لأقرأ لها كتابا فبكت جدتي حينها، فاستدعت في داخلي خاصية البكاء فاخذت الكتاب وذهبت إلى غرفتي وامضيت عشرة ايام اقرأ الكتاب، ثم اخرجت جدتي كتابا آخر بعنوان (أساطيرنا الشعبية) ما فتح خيالي السردي واصبحت احفظ منه الكثير".مصادر المعرفة وأكد المزيني ضرورة تنوع مصادر المعرفة لدى الفرد، رغبة في اكتساب خبرات متنوعة تنعكس إيجاباً على تجربة الكاتب من خلال أعماله الأدبية، مضيفا أنه عندما انتهى من كتاب الاساطير الشعبية بدأ في البحث عن مصادر أخرى للاطلاع، كما اعتاد على ارتياد المكتبات القديمة في الرياض ليشتري منها بعض الكتب.جماعات دينيةوعن بداية قصته مع الجماعات الدينية "الإخوان والسلف" قال المزيني: "ذات يوم كنت مع بعض الأصدقاء في الشوارع الخلفية نشاغب في الازقة المعتمة في ذلك الوقت، وعند أذان المغرب ولجنا الى المسجد وبعد الصلاة كانت هناك مجموعة تقرأ في احدى زوايا المسجد شاهدت حينها كتبا مجلدة فاقتحمت هذه المكتبة ووجدت مجموعة من "الشبيبة" يواظبون على قراءة القرآن، وكان بينهم إمام الحرم الشيخ عبدالرحمن السديس، واستمعت اليهم كما تعرفت على الشباب، وطلبوا مني ملازمتهم فاشترطت عليهم ان يعطوني شيئا من هذه الكتب لأطلع عليها، ومن ذلك الوقت بدأت ملازمة هؤلاء الشباب وقرأت كتب البنا وسيد قطب وكتاب فتحي يكن (الاسلام حركة وفكرة وانقلاب) ما شكل لدي الكثير من الشباب رغبة في استبدال الواقع".صراعات محتدمةأكد المزيني أن ثمة صراع شخصية في الجماعات الدينية يؤدي إلى إلغاء الآخر، وعدم إفساح المجال له في التعبير عن رأيه أو حتى تحديد ما يقرأ، مستغرباً الرقابة الفكرية المفروضة على أفراد هذه الجماعات.المعتقلكما تحدث الروائي محمد المزيني عن تجربته في رواية "المعتقل" التي شرع في كتابتها مع بداية الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت، الا أنه لم يستطع نشر هذه الرواية، هذا وقد سلط المزيني الضوء على مرحلة كتابة رواية "ضرب الرمل" التي نشرت عام 2004، إضافة إلى رواية "عرق بلدي" التي تناول من خلالها قاع المجتمع السعودي الذي لا يعرف عنه شيئا، مشيراً إلى ان هذه النماذج تقبع في اسفل قائمة المجتمع السعودي، آملاً أن يخرجها بدوره إلى القارئ ويلبسها ثوبا أدبيا.الطقاقاتكما كشف المزيني عن روايته الجديدة "الطقاقات" التي يتناول فيها عالم الطقاقات، مؤكداً أننا لا نعرف عنه شيئاً، كما اننا نحتاج إليهن ونحبهن ولكن نشتمهن ونعاملهن بشكل آخر في مواسم الشتاء.