أول العمود: يعود رمضان فيعود معه هدوء النفس... وهذا أكثر نتائجه وضوحاً أو هكذا يفترض.

Ad

***

عرفت د. أحمد البغدادي أستاذاً في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت مدرساً للفكر الغربي والإسلامي، وكان ذلك عام 1982 وأنا طالب في كلية التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية

-اسمها السابق- عرفته كمعلم جاد وناقد غير مهادن. وشاءت الأقدار بعد 12 سنة أن ألتقي به كاتباً في صحيفة "الطليعة" حيث كانت بداية امتهاني للعمل الصحافي وكان قد استمر في الكتابة فيها سنوات عدة وتعرفت عليه عن قرب.

مقالتي هذه ليست شهادة بل هي انطباعات وتقييم خاص وشخصي لهذا الرجل.

كان من الممكن أن يتخذ هذا الرجل مساراً هادئاً في حياته الثقافية والشخصية بأن يحجم عن الكتابة أو أن يكتب من دون جرأة، وأن يمارس عمله في التدريس بهدوء كحال مئات الأساتذة الجامعيين، إلا أن عقله المتقد والمتسائل دوماً والرافض للسائد من الأفكار هو الذي قاده إلى كثير المتاعب التي توجت بسجنه على اثر قضية حسبه.

فأحمد البغدادي عاش حياته مفكراً لا يخشى أحداً في طرح أفكاره، وهذه صفة المفكر، وهو يذكرنا بشخصية فهد العسكر في زمنه وما سببته أشعاره ومواقفه من طقوس اجتماعية ودينية سائدة آنذاك نضحت بها أبيات كثيرة من قصائده.

شخصية د. البغدادي مرحة، كما أنه كان متواضعاً جداً في سلوكه وفي حياته العامة، ولم يكن من المفترض أن يأخذ شخص مثله هذه الشهرة على مستوى الوطن العربي لولا تصديه الجريء للأفكار السائدة في حياتنا الدينية والثقافية، ومن يقرأ كتابه الذي أظن أنه الأخير في حياته الأدبية والعلمية والذي يحمل عنوان "تجديد الفكر الديني... دعوة لاستخدام العقل"، فسيجد الكثير من القضايا والأسئلة التي يحاول المسلمون اليوم طرقها بعمق ومن بينها هل الفكر الديني يعبِّر بالضرورة عن الدين؟ وسيلاحظ القارئ كيف أن البغدادي استبدل مصطلح "الحضارة الإسلامية" بمصطلح "حضارة دار الإسلام"، بحكم مساهمة غير المسلمين فيها ممن عاشوا في أرض الإسلام... وأمثلة أخرى لا تنتهي من التساؤلات والقضايا المهمة التي تصدى لها بجرأته المعهودة.

رحيل المفكرين يعد حدثاً محزناً بحق، لكن تخفيف الحزن يأتي دائماً من خلال التعلق بإنتاجهم الأدبي وثقافتهم التي تترجم إلى كتب ومؤلفات وما أكثرها لدى "أبي أنور" يرحمه الله.