مأساة جابر
ماذا يمكن أن يفعل شاب مثل جابر، الذي احتل المركز الأول على الكويت في الثانوية العامة، أكثر مما فعل حتى يقنع وزيرة التربية والتعليم العالي والمسؤولين في الدولة بأنه يستحق ليس فقط أن يقبل في الجامعة، بل يستحق أن يكرم لأنه من المتفوقين؟ ألا تتسع جامعة الكويت- وقد تم قبول أكثر من أربعة آلاف طالب هذه السنة- لجابر وأمثاله من النابغين؟
تخيل عزيزي القارئ نفسك وأنت تحقق المركز الأول على الكويت في الثانوية العامة، بعد أن بذلت كل ما لديك من جهد للوصول إلى هذا الإنجاز المتميز، ثم تفاجأ بأنه رغم أنك الأول لا يمكنك الحصول على مقعد للدراسة في جامعة الكويت. هذا ما حصل بالفعل مع صاحب المركز الأول على الكويت في القسم الأدبي من البنين جابر ساير، فرغم نبوغه العلمي الذي جعله يواصل الليل بالنهار لكي يكون الأول على الكويت، فإن كل ذلك لم يشفع له أن يكون من ضمن المقبولين في جامعة الكويت، والسبب أنه من فئة "البدون".لنا أن نتصور الحالة النفسية التي يعيشها هذا الشاب المتميز وحالة الإحباط التي تتملكه، خصوصاً وهو ابن هذا البلد، بينما يرى آخرين من دول أجنبية تم قبولهم لأن لديهم "واسطة" قوية، بينما هو لا حول له ولا قوة.
ماذا يمكن أن يفعل شاب مثل جابر أكثر مما فعل حتى يقنع وزيرة التربية والتعليم العالي والمسؤولين في الدولة بأنه يستحق ليس فقط أن يقبل في الجامعة، بل يستحق أن يكرم لأنه من المتفوقين؟ألا تتسع جامعة الكويت- وقد تم قبول أكثر من أربعة آلاف طالب هذه السنة- لجابر وأمثاله من النابغين؟هل من العسير أن يقبل عشرة متفوقين من شريحة "البدون" المحرومة، بواقع خمسة متفوقين من القسم العلمي وخمسة آخرين من القسم الأدبي احتراماً لتفوقهم وتميزهم أولاً، وللاستفادة من نبوغهم العلمي ثانياً؟ إذا كان قانون الجامعة يتيح لوزير التربية قبول 50 طالباً من المتفوقين من غير الكويتيين، فكيف لم يقبل جابر، وهو الأول على البنين من غير الكويتيين؟ وإذا لم يكن جابر، وهو الحاصل على المركز الأول، متفوقاً فمن هو المتفوق؟!في الدول الأجنبية وفي الجامعات الراقية يتسابقون إلى اجتذاب الطلاب النابغين، وتقدم المنح الدراسية إليهم لإكمال دراستهم، أما في الكويت فمصيرهم الإهمال والجحود.لم تسنح لي فرصة التعرف على المتميز جابر، ولكن عرفت قصته عن طريق أحد الأصدقاء، وقصته مجرد نموذج للطريقة التي يتم التعامل بها مع "البدون".قصة جابر هي مثال صارخ- وهناك أمثلة أخرى كثيرة- على الظلم والحيف الذي يلاقيه أبناء "البدون" حين يحرمون من حقوقهم الإنسانية الأساسية، وفي الوقت الذي تسارع فيه الكويت إلى إغاثة المنكوبين والمحرومين في دول العالم الأخرى، تصر هي نفسها مع سبق الإصرار والترصد على حرمان فئة مسكينة مستضعفة من حقوقها الإنسانية والشرعية.لقد حبا الله الكويت بنعم كثيرة، ولكي تدوم هذه النعمة لابد من شكرها، ومن شكر النعمة رفع الظلم عن شريحة "البدون" المظلومة.إذا كان جابر قد حرم من مقعد يستحقه في جامعة الكويت، فإن الجامعات الخاصة مدعوة إلى احتضان هذا النبوغ، فهو إضافة كبيرة لها.