مؤسس الجاحظية
تداولت الأوساط الثقافية أمس الأول خبر رحيل الروائي الجزائري الطاهر وطار عن عمر ناهز 74 عاماً. لم يكن خبر الوفاة مفاجئاً للكثيرين من محبيه ومتابعي أعماله وحياته، فقد عانى هذا الروائي الذي يتمتع بشهرة كبيرة على امتداد الوطن العربي مرارة الألم والمرض قرابة ثمانية أشهر، تنقل خلالها بين باريس ووطنه الجزائر، وكانت الصحافة تتابعه في مقر إقامته الباريسية إبان تلقيه العلاج، وأُجري معه العديد من الحوارات الصحافية وهو على فراش المرض.
ارتبط اسم الطاهر وطار أخيراً بـ»الجمعية الثقافية الجاحظية» التي أسسها في سنة 1989 وأصبحت منتدى ثقافياً لمحبي الأدب بمختلف صنوفه، الرواية والشعر، والمسرح، وكانت هذه الجمعية منبراً لحماية اللغة العربية، وبيتاً يحتضن جميع محبيها. ولعل من أبرز السمات التي عرف بها الراحل منذ إطلاق مجموعته القصصية الأولى «دخان من قلبي» 1961 حبه للغة العربية ودفاعه عنها، وكان يعارض موجة الفرنكوفونية، خصوصاً أولئك الذين يكتبون باللغة الفرنسية من أبناء الجزائر، ويسميهم بأنهم أشبه باللوبي الذي يسيطر على مفاصل البلد.زار الأديب الراحل بلداناً عربية وأجنبية عديدة، وكانت لنا فرصة التقائه حين استضافه الروائي اسماعيل الفهد في ملتقى الثلاثاء الثقافي قبل عدة سنوات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن وطار تجمعه علاقة صداقة ويحظى بالاحترام والتقدير من شخصيات ثقافية عديدة في منطقة الخليج العربي. وكان يتسم باستقلالية الرأي، ولم يعرف يوماً المداهنة والنفاق، لذا نجده يتعرض للنقد من جهات عديدة، فجبهة التحرير الوطني الجزائرية صوبت سهامها نحوه حين اعتنق الماركسية، كما أن الإسلاميين كانوا ينتقدونه لعروبيته المفرطة وماركسيته، ولم يسلم من الانتقاد من جيل الشباب الذي رأى فيه أديباً مكرساً للمذهب التقليدي. إذن لم يسلم الأديب الكبير من الانتقاد من جميع الجهات ولكنه ظل مخلصاً لرأيه لم يتزعزع عنه. ولعل من أشد مواقفه صرامة أعلانه معارضة إلغاء الانتخابات الجزائرية 1992 وهو يوقن أن هذه الانتخابات ستوصل الإسلاميين إلى سدة الحكم، إلا أن المسألة بالنسبة إليه أشبه بالمبدأ الذي لا تنازل عنه، كما أنه لم يكن مطمئناً لموجة انتشار الكتابة بالفرنسية في وطنه الجزائر. ويرى كُثر أن وطار لم ينل ما يستحقه من مكانة وشهرة لأنه أصر أن يكتب بلغته الأم، على الرغم من إجادته الكاملة للغة الفرنسية، فلو كان يكتب بالفرنسية لرحبت به الأوساط الباريسية ولرأينا الجوائز العالمية تنهال عليه، ولأصبح نجماً إعلامياً بلا نظير. كتب وطار قرابة عشر روايات، وثلاث مجموعات قصصية، وثلاث مسرحيات، وترجمت بعض أعماله إلى لغات عديدة، ومن أشهر أعماله: «الشمعة والدهليز» و»اللاز» و»الزلزال»، و»الحوّات والقصر» و»رمانة».وكان وطار في حواراته الأخيرة يعلن عدم خشيته من الموت، فهو حق ظل ينتظره طوال حياته. ويقول في هذا الصدد «نحن خلقنا لنموت، وأنا لم أفعل سوى الخير» ومن تعليقاته الطريفة حين سئل عن مدينة باريس التي يتلقى فيها العلاج، فوصفها بأنها سجن كبير، لا يرتاح فيه سوى المهاجرين والحيوانات، لأن هؤلاء لا همّ لهم. وكان يخشى رحمه الله أن يدركه الموت قبل أن يكمل عمله الأخير «قصيدة التذلل» وقال: «أخشى ما أخشاه أن يصدر الكتاب بعد وفاتي ويكتب على غلافه «رواية لم تكتمل».رحمه الله فقد كان يتمتع بروح الفكاهة وشجاعة الرأي، وثبات المبدأ.