مع حلول كل يوم جديد, منذ أن انفجرت هذه «الانتفاضة» المصرية, يتضح أكثر وأكثر أن هذه الانتفاضة إن هي لم تكن صناعة أميركية فإن الأميركيين سارعوا إلى ركوب موجتها مثلهم مثل الأوروبيين ومثل أحزاب البطالة السياسية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وذلك إلى حد الإحساس بأن قيادة هؤلاء الشبان, الذين منذ أن بدأوا «الثورة» يطلقون هتافاً واحداً هو المناداة برحيل الرئيس حسني مبارك, ليست في ميدان التحرير في قلب القاهرة، بل هناك في البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأميركية.

واللافت حقاً, بالنسبة لكل هذه التطورات المتلاحقة, أنه خلافاً للعادات المتبعة, في مثل هذه الانتفاضات وهذه المظاهرات, لم يُسمع هتاف واحد ضد الولايات المتحدة وانحيازها إلى إسرائيل واحتلالها للعراق وتدخلها السافر في الشؤون العربية بما في ذلك الشأن المصري الداخلي، وهذا لا يمكن أن يكون عفوياً ولا يمكن إلا أن يكون وراءه توجه سياسي يجري تنفيذه خطوة بعد خطوة.

Ad

لم تظهر لا في ميدان «التحرير» ولا في غيره من ميادين المظاهرات في المدن المصرية الأخرى أي «لافتة» تندد بـ»العدوان الصهيوني» وتمجد كفاح الشعب الفلسطيني، والملاحظ أن شعارات جماعة الإخوان المسلمين قد غابت تماماً ومن بينها شعار: «الإسلام هو الحل»، والملاحظ أيضاً أنه لم تظهر للرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلا صورة واحدة لم يكن بالإمكان التنبه إليها لولا أن الإعلام الذي بقي لملء الفراغ يبحث عن كل شيء ويكرر كل مشهد عشرات المرات، وذلك إلى حد أن الأمور بدأت تختلط على المشاهدين بين أن يكون أحد المشاهد التي تتكرر من وقائع هذا اليوم أو من وقائع اليوم الأول من هذه الأحداث.

لقد غابت الأحزاب التي من المفترض أنها تناصب الولايات المتحدة العِداء المستحكم, ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين غياباً كاملاً، ولقد دأب الأميركيون والأوروبيون أيضاً على إذكاء نيران المواجهة كلما مالت الأمور إلى التهدئة والهدوء، ولعل ما يؤكد أن الأصابع الأميركية ليست بعيدة عما حدث في مصر منذ اليوم الأول وعلى مدى الأيام العشرة الماضية أن تحذيرات وتهديدات واشنطن واصلت التلاحق في هيئة بلاغات عسكرية بأن عملية انتقال السلطة يجب أن تتم فوراً، وأن «رحيل» مبارك يجب ألا يتأخر حتى نهاية ولايته الدستورية التي تنتهي في سبتمبر المقبل.

الكل يذكر تلك المقولة البائسة التي أطلقها جورج بوش الابن القائلة بـ»الفوضى الخلاقة»، والكل يذكر «بريمر» وما فعله في العراق، وكانت النتيجة كل هذه الفوضى غير الخلاقة. ولعل من تابع أحداث مصر بعقله لا بعيونه وآذانه فقط قد تأكد أن التدخل الأميركي هذه المرة لم يكن بالجيوش الجرارة ولا من خلال المندوبين السامين، بل من خلال شبهاء هؤلاء كالدكتور محمد البرادعي الذي بقي غائباً عن مصر نحو ثلاثين عاماً والذي لا يعرف عن مستجداتها خلال هذه الفترة أي شيء، ومن خلال فوضى الميادين العامة التي ستثبت الأيام أنها مدمرة وغير خلاقة.