متوجاً بالحب رحل
رحل ملكاً متوجاً بحب قلوب بكته بألم وحرقة
تركهم بدون وداع... تركهم لينام... فقط لينام. صلى الفجر وكان النور يختلس الظلام على الشيش... صلى ونام عندها تسلل النور من الشيش... بقي جسده نائماً عندما رافقت روحه دفقة الضوء المكتمل عند الشيش. ذهب من دون وداع... فمن مثله لا يحتاج إلى الوداع... من يستقر في القلوب ليس من السهل مفارقتها بوداع عابر سبيل... من مثله لم يولد للمحو والنسيان... فالذين يزرعون الحب... يحصدون خلودهم في ذاكرة من أحبوا... هذا الحب الذي فتح فيه قلبه سفرة لكل متألم ولكل محتاج ولكل تعبان ومحروم. رحابة قلب... وروح محبة حانية لا تعرف ماهية الحب ورذالة شح العاطفة. كرم وسخاء بالحب وبالحنان والعناية والرعاية هو العطاء الأصعب وهو البذل الحقيقي الآتي من نفس لا تسعد إلا بمشاركتها للجميع. حين رحل فاجأهم غيابه وأفجعهم رحيله المغادر على عجل... صغيرهم طوي شراعه قبلهم في رحيل لم ينبئهم بتاريخ السفر لأنه كان على موعد مع موت على غفلة... على تسلل روح من بدن في سلام نائم. غاب في سفر دائم... ليبقى هناك... ويبقى الكل هنا يحمل ذكراه النابضة بكل هذه الذكريات الحلوة التي لا تُمحى. جاؤوا ليودعوه... كل هؤلاء جاؤوا ليودعوه... كل هذا العدد الكبير من الرجال والنساء جاؤوا ليعزوا أهله. متى عرفهم... متى أقام كل شبكة العلاقات المحبة هذه؟ وهو آخرهم وصغيرهم... اليتيم الذي صلى عليه جمع غفير أكرمه الله بهم في عمر عدى على عجل. لم يكن يملك إلا قلبه وعاطفته الصادقة التي بذلها لهم؛ والتي عادت عليه بكل هؤلاء الذين جاؤوا ليعزوا أهله فيه؛ وليثبتوا للدنيا أن الأصل في الخير هو بذرة الحب التي لا يعادلها أي ثمن. رحل ابن عمي سالم عبدالله الشويش السالم من دون أن أعرفه تمام المعرفة، فحينما تكبر الأسرة وتتفرع أوراقها، تأخذنا حينها الانشغالات بحياة فروعها المتشابكة... وقد ننسى... وقد تضيع منا لحظات جميلة كان من الممكن أن نحياها بقرب ومعرفة أكبر، هرولة زمننا اللاهث يأخذنا إلا ما لا نتوقعه أو نحسبه. كم تمنيت لو أنني يا ابن عمي قد اقتربت منك أكثر وعرفتك عن قرب أكبر... عدم القرب لا يلغي محبة رابطة الدم والقرابة، لكن حب الناس لك أشعرني كم خسرت من مشاعر حين ما عرفت وما اقتربت من معرفة حقيقتك، حقيقتك تلك التي أحبها كل من عرفها. لك جنة الخلد ونعيمها.