إذا صحّ ما تسرّب من أنباء بشأن فعاليات وأنشطة مهرجان القرين الثقافي المقبل، فإننا سنكون أمام حالة تراجُع ثقافي كبير، فهذا المهرجان الذي انطلق في عام 1994، أصبح علامة ثقافية عربية وخليجية مميزة بما يقدمه من أنشطة وفعاليات، فالندوة الفكرية هي إحدى علامات هذا المهرجان، وإن غابت فإن المهرجان يفقد بعضاً من هيبته وشخصيته، "وكذلك شخصية المهرجان"، والضيوف النوعيين، الذين لا تتاح لنا فرصة اللقاء بهم إلا عبر المناسبات المحدودة، فما المانع من دعوة شخصية فكرية أو إبداعية ثقافية عربية لتقديم شهادة عن تجربته، ومناقشة كتبه ومؤلفاته.

Ad

إن الجدول المقترح لأنشطة مهرجان القرين الثقافي يكاد يخلو من نشاط فكري أو إبداعي ذي قيمة، فالأنشطة المقترحة لا تخرج عن كونها مقترحات لإقامة أسبوع ثقافي لبلد ما، فالأسابيع الثقافية تأخذ طابعها الاحتفالي، وتخلو من الأنشطة ذات الطابع الأكاديمي أو البحثي المعمّق، والجمهور غالباً ما يُدعى إلى أمسية شعرية، أو موسيقية، أو معرض تشكيلي لفناني البلد المحتفى به، وربما نجد محاضرة يتيمة بين هذا وذاك. هل يمكن أن يتحوّل مهرجان القرين الثقافي بكل زخمه وتاريخه إلى مجرد أسبوع ثقافي لا يخرج عن الأنشطة المشار إليها؟

أين اللجنة العليا المنظمة لمهرجان القرين الثقافي، وعليها يقع العبء الأكبر من آلية تنظيم هذا المهرجان، وإقرار مقترحاته وأنشطته، تتكوّن هذه اللجنة في المعتاد من الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب رئيساً، وتضم في عضويتها أمينين مساعدين، ومديري إدارات المجلس الوطني للثقافة، التي يفوق عددها عشر إدارات، وبالطبع تتفرّع عن هذه اللجنة لجان أخرى، وفي نهاية المطاف نشهد مقترحاً ضعيفاً لجدول برامج لا يعدو كونه أسبوعاً ثقافياً!

ليس جميع أعضاء اللجنة العليا متخصصين في الثقافة، وبعضهم ربما يجهل أهم التيارات الفكرية والإبداعية المعاصرة والقديمة، وبالتبعية فإن من يجهل سمات هذه التيارات يكون جاهلاً بأعلامها، والباحثين فيها. فكيف نتوقع من هكذا لجنة جدولاً ثقافياً مميزاً لمهرجان القرين، ثم إن سؤالاً بريئاً يرشح هنا، لماذا مديرو الإدارات تحديداً، ولمَ لا تتكون هذه اللجنة من المثقفين وأهل الاختصاص؟.

واضح أن الندوة الفكرية أصبحت عبئاً ثقيلاً على منظمي المهرجان، فتخلصوا منها منذ سنوات خلت، ولكن ليس هذا هو الحل، فغياب الندوة الفكرية يعني بالضرورة غياب الأكاديميين وأساتذة الجامعة والمفكرين عن هذا المهرجان، وهنا نقع في خلل معرفي وتنظيمي. نتفق مع من يقول إن أبحاث الأكاديميين مملّة ولا تستقطب جمهوراً، ولكن ليس سيئاً أيضاً أن نجمع نخبة من هؤلاء في قاعة ونستمع إليهم، فهم المتخصصون كل في مجاله.

استضاف مهرجان القرين في دورته الأولى ندوة "الثقافة والإعلام في دول مجلس التعاون"، وتحدث فيها أكاديميون ومفكرون خليجيون، كانت فرصة سانحة للالتقاء بهم. أما في الدورة الثانية للمهرجان فقد عُقدت ندوة "النقد الأدبي في دول مجلس التعاون الخليجي"، وفي دورة المهرجان الرابعة نوقشت إشكالية الفكر العربي المعاصر بجميع تياراته الليبرالية والسلفية والقومية. وثمة ندوات أخرى في دورات سابقة عن القصيدة الحديثة وتيارات النقد الأدبي، وكذلك الترجمة وإشكالياتها، بالإضافة إلى بعض القضايا السياسية والاستراتيجية.

ما نريد الانتهاء إليه أن مهرجان القرين الثقافي بدأ قوياً ومشرّفاً إلى حد كبير، واستجلب إلى الكويت شخصيات ثقافية ذات سمعة مرموقة، لا نريد لهذا المهرجان أن ينتهي إلى مجرّد أسبوع ثقافي، نقول ذلك ونحن نوقن أن اللجنة العليا المقترحة لتنظيم المهرجان لا ينقصها حسن النية في ما يتعلق بسمعة المهرجان، ولكن ما نلاحظه من أنشطة وفعاليات مقترحة في الآونة الأخيرة يدل على تراجع كبير فأين الخلل؟