أستاذة الإعلام في جامعة بغداد إرادة الجبوري لـ الجريدة•: فضائياتنا العراقية قنوات محلية المضمون تبث فضائياً
• أغلب وسائل إعلامنا واجهات ودكاكين للأحزاب السياسية والدينية
• هناك خوف من العودة إلى شبح الرقابة على الإعلام
• هناك خوف من العودة إلى شبح الرقابة على الإعلام
نتابع في هذه الحلقة رصد واقع الإعلام في العراق بعد الحرب عام 2003، وما تشهده الساحة الإعلامية من تسييس وقصور مهني، إذ تستعرض ذلك أستاذة الإعلام في جامعة بغداد د. إرادة الجبوري، التي تلفت إلى أن القنوات الفضائية العراقية الموجودة ما هي إلا قنوات أرضية تبث فضائياً، معللة ذلك بأن تلك الفضائيات لا تحمل الهوية العراقية في محتواها بقدر ما تحمل أجندة سياسية حسب مَن يديرها ويمولها من حزب أو كيان.
• كيف تنظرين إلى الإعلام العراقي الجديد؟- هناك زخم كبير في عدد القنوات الفضائية العراقية والصحف والمطبوعات، إلا أنها لم تؤثر كثيراً في الواقع العراقي، فهي عبارة عن قنوات أرضية محلية تبث فضائياً، وللأسف فإنها مغرقة في المحلية والخصوصية البحتة التي لا تفيد المتلقي أو المشاهد العربي، ويرجع ذلك أولاً إلى أن مَن يمولها إما أحزاب سياسية أو دينية تملي أجندتها على تلك القنوات وتلك الصحف، وإن كان بعضها القليل مستقلاً، إلا أنه غير مؤثر لأنه هو الآخر أغرق نفسه في التفاصيل المحلية البحتة. لا أنكر أن هناك محاولات جادة من بعض القنوات بأن تقدم فكراً إعلامياً جديداً، إلا أنها تصطدم بمشكلة التمويل، لأن الإعلام يحتاج إلى ضخ كميات كبيرة من المال حتى يستطيع أن يحقق شيئاً جديداً ومختلفاً عما كان عليه في السابق، فنحن في بلد عاش تحولات سياسية خطيرة وكبيرة، لذا يجب أن يسوق إعلامنا الجديد لفكر مغاير عما كان عليه في السابق. هناك فوضى إعلامية لكنها ليست الفوضى الخلاقة التي سمعنا وقرأنا عنها.•وهل أنتِ مع وجود قانون وضوابط تنظم الإعلام العراقي؟- يجب أن يكون هناك قانون وضوابط تنظم العمل الإعلامي العراقي، إلا أن المعضلة التي يجب أن تحل قبل أن نتحدث عن ضوابط وقانون ينظم العمل، هي عدم وجود قانون لتنظيم الأحزاب في العراق، لأن تلك الأحزاب والكتل تستغل هذه الفوضى الإعلامية، وتصبح أغلب الوسائل الإعلامية الموجودة واجهات ودكاكين لتلك الأحزاب والكيانات، الدينية منها وغير الدينية، وللأسف فإن الحكومة هي المسؤولة عن ذلك، لأن الحكومة العراقية "انتقائية" في سياستها تجاه الأشياء، والإعلام آخر اهتماماتها، لأنه لا يمثل وسيلتها أو هدفها في اللعبة السياسية، مادامت هناك صحف وقنوات مجيرة لحسابها وتتحدث بلسانها فلماذا الاهتمام بالإعلام وسن قوانين ووضع ضوابط كي نرتقي بإعلامنا ونقدمه بلغة جديدة ومتطورة؟!• هناك تخوف في الشارع الإعلامي العراقي من عودة الرقابة من جديد على الوسائل الإعلامية... فهل باعتقادك ستوضع رقابة مشددة على الإعلام؟- هذا هو الهاجس، والخوف من أن نعود من جديد إلى شبح الرقابة وتدخل السلطة بشكل صارم في تفاصيل العمل الإعلامي، وللأسف فإن إعلاميّينا الآن لا يفكرون في هذه المشكلة بشكل كبير، خصوصاً أن حرية المعلومات غير موجودة في الدستور العراقي، ولا توجد مادة في دستورنا تنص على ذلك، وهذه مشكلة أخرى تضاف إلى مشاكل الدستور العراقي الذي تم "خبزه" على عجل وهو مليء بالمفخخات والقنابل التي سرعان ما تنفجر بوجه كل مَن يفكر فيه، فهناك تناقض بين مواده، بين ما يتعلق بالحريات الشخصية والمواد التي تنص على الأحوال الشخصية. وقبل هذا وذلك ما نعانيه اليوم في العراق من عدم تشكيل حكومة بعد الانتخابات بسبب تناقض مواد الدستور، وما تنص عليه تلك المواد بشكل فضفاض وغير دقيق، سببه هو أن كتابة الدستور خضعت لتوافقات حزبية سياسية جعلت من لحظة كتابة الدستور انتصاراً، ولا أدري انتصار مَن على من؟! فقد كتبه سياسيون وأقره قانونيون، بينما يفترض العكس، أن يكتبه قانونيون ويقره سياسيون. • وماذا عن كليات الإعلام العراقية؟- للأسف، حالها كحال التعليم في البلد، في مراحل الروضة والابتدائي والمتوسط والثانوي، وانتهاءً بالجامعي، هناك صندوق يحمله الطالب داخل مخه، عليه أن يحشر كماً هائلاً من المعلومات والحشو في ذلك الصندوق ليستحضرها عند الامتحان، ومن ثم ينساها. علينا أن نعلمه في كل المراحل التعليمية كيفية التفكير لا فيمَ يفكر؟ حتى يبتكر ويتطور، يجب أن نؤسس لدى الطلاب نظرة نقدية حقيقية حتى لا يسيروا كالقطيع خلف مَن يقودهم بغض النظر عن فكره ونهجه وميوله، ونحن في كليات الإعلام لا نقل أهمية عن باقي مراحل التعليم، فنحن بحاجة إلى تحديث في الجوانب الفنية، وفي نظام القبول، بحيث يجب أن تكون هناك ضوابط على أحدث مستوى في عملية قبول الطالب المتقدم في كليات الإعلام مثلها مثل نظيراتها في الدول المتقدمة. وأعتقد أن هناك مسعى الآن لدى وزارة التعليم العالي لجعل القبول في كليات الإعلام يمر بضوابط حتى يتم فرز مَن يريد العمل فعلاً في هذا المجال وتمييزه عمَّن يريد أن يتخذ الدراسة وسيلة للعمل كوظيفة فقط، وسنبدأ في تنفيذها من العام المقبل.أيضاً علينا ألا ننسى أن مجتمعنا العراقي مجتمع منغلق وذكوري ولايزال ينظر إلى مَن تعمل من النساء في المجال الإعلامي على أنها أشبه بالراقصة، فنظرة المجتمع لاتزال دونية للعمل الإعلامي، وبالتالي فعلينا تقديم برامج توعوية في هذه المسألة كي يتعلم المجتمع ويغير من نظرته المتخلفة هذه.• وماذا عن برامج تدريب طلاب كليات الإعلام؟- كان في السابق لدينا ثلاث صحف وقناة تلفزيونية وأخرى للشباب وإذاعة بغداد وإذاعة صوت الجماهير، وكان طلبة كليات الإعلام يتدربون جميعهم عند هؤلاء وفقاً لجدول زمني تشرف عليه الدولة، أما اليوم ورغم هذا الكم من القنوات والصحف والإذاعات فلم يتدرب طالب واحد في تلك القنوات، لأن المشكلة هي غياب روح المواطنة عند مَن يشرف على تلك القنوات والوسائل، فهي مسألة أخلاقية ووطنية قبل أن تكون مسألة روتينية، وكانت هناك محاولات وخطابات وجهناها إلى تلك المحطات والقنوات، لكن لا حياة لمن تنادي، للأسف أصبحت تلك الأخلاقيات مجرد شعار يردد وفي اللحظة التي يغادر فيها الشعار الفم نجد كل شيء قد تبخر، لذا ضاعت المواطنة ما بين القومية واليسارية والآن المحاصصة بسبب عدم وجود قانون يحمي المواطن فيلجأ إلى العشيرة والقبيلة، لأنه فقد الثقة بوطنه وبمن حوله من قيادات.فَلِكي نعيد ثقة المواطن بوطنه عليه أن يقدم ويعطي هذا الوطن شيئاً للمواطن، وهكذا تدريجياً نعيد الثقة وروح المواطنة من جديد إلى أرض الواقع.• في الحلقة الثالثة والأخيرة، يحدثنا الإعلامي والكاتب العراقي كفاح كريم من إقليم كردستان العراق عن تجربة الإقليم، والتي بدأت منذ عام 1993 أي قبل بداية التجربة الإعلامية الجديدة في بغداد، بعشر سنوات، ورغم بعض الإخفاقات فإن هذه التجربة تعتبر ثرية.