عندما يصل التراشق الكلامي بين أُمراء الطوائف والقبائل السياسية اللبنانية إلى حدِّ التلويح باللجوء إلى حل التقسيم وفقاً للصيغة البلجيكية، التي هي بدورها باتت موضع شك في استمرار صمودها، فإن هذا يعني أن هذا البلد كُتِب عليه أن يدفع باستمرار ثمن تكوينه الجغرافي والديموغرافي، وأنه ما أن يسود الاعتقاد بأنه قد ودَّع آخر حرب أهلية حتى يكتشف أن هذه الحرب حبلى بحرب أخرى جديدة.

Ad

وفي انتظار صدور قرار المحكمة الدولية، الذي من المتوقع أن يصدر في العشرة الأوائل من الشهر الأول للسنة الجديدة، فإن الواضح أن كل خيارات الحلول المتداولة قد أخلت الميدان لخيار واحد هو الخيار الذي هدد ولوَّح به حزب الله أكثر من مرة، ممّا دفع إلى أن يحذِّر البطريرك صفير من انقلاب عسكري قد يقوم به هذا الحزب، وأن يتحدث أمين الجميِّل بلغة الانقسام والتقسيم التي كانت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما حُشِر المسيحيون في الزاوية الحرجة وأطلق عليهم "الطرف الآخر" وصف الانعزاليين.

في سبعينيات القرن الماضي بعد اندلاع الحرب الأهلية، بادر المسيحيون بعد أن شعروا أن وجودهم غدا مهدداً، إلى الاقتراب من خطَّين أحمرَين مُحرَّمَين هما: التهديد بالانقسام واستبدال ما هو قائم بصيغة فدرالية على الطريقة البلجيكية والبرازيلية والمكسيكية، والذهاب إلى اسرائيل طلباً للحماية، بعد أن أصبحوا يسمعون التصريحات التي كانت تقول إن الطريق إلى فلسطين يمرُّ من جونيه، وأنه لابد من اجتياح المناطق الشرقية لاستحداث معادلة جديدة على أنقاض معادلة ما بعد الاستقلال التي كانت قد بدأت تتأرجح على غرار ما هو عليه الوضع الآن.

والمؤكد أن الكلام في لبنان عن التقسيم وعن وضع فدرالي بين طوائفه ومكوناته العرقية وقبائله المتناحرة، ليس من قبيل التخويف ولا المزاح، فالهروب من الانقلاب العسكري الذي يهدد به حزب الله لا بوابة له غير هذه البوابة الجهنمية، وكذلك عندما يتردى الوضع العربي على هذا النحو، فإن خلاص بعض الطوائف اللبنانية التي غدت مهددة بوجودها، يصبح هو هذا الخلاص الذي في ظل انفلات هذا الحزب لا خلاص غيره.

والمشكلة أن لبنان في ظل غياب مركز القرار العربي، وانشغال الدول العربية المقتدرة كل واحدة منها بنفسها ووضعها، بات يشعر أنه غدا محاصراً بين نارَين: نار حزب الله من جهة ونار خيار استبدال الصيغة الحالية المصابة بألف سرطان وسرطان بصيغة على غرار الصيغة البلجيكية، والمؤكد أنه إذا لم تطرأ معجزة لتخليصه ممّا هو به، فإنه حتما سيختار هذه الصيغة البلجيكية التي سيفتح الأخذ بها كل الأبواب المغلقة، إذ ستنتقل حتماً إلى بعض الدول التي تعتقد أنها مُحصَّنة ضد هذه الآفة بالحديد والنار والقوة!