العنف لا يولد إلا العنف، وإراقة الدماء تبني جبالاً من الحقد والكراهية لا تمحوها السنين، وهذا الدمار يحرق الجميع دونما استثناء ويعود بهم إلى مستنقع الوراء شاء من شاء وأبى من أبى، وهذه سنن تاريخية وبدهيات المسيرة البشرية، ولن يجدي معها التعالي والمكابرة والعناد والعزة بالإثم.

Ad

هذا هو المشهد المحزن في البحرين الذي بدأ بحراك شعبي للمطالبة بإصلاحات سياسية واعتصامات في الميادين العامة، ولكن سرعان ما حولها تعاطي السلطة معها إلى ساحة من العنف والقتل، وتسخير وسائل الإعلام لوضع مجمل الحدث على نار الطائفية التي لن يتوقف لهيبها عند حدود البحرين، بل سوف يمتد إلى عموم منطقة الخليج والجزيرة العربية.

ومن هذه الصور إقحام قوات خليجية لمواجهة الشعب البحريني تحت ذرائع لا نهاية لها، بل من شأنها خلط الأوراق، وسكب الزيت على النار، والابتعاد بأصل المشكلة عن دائرة الضوء.

فالمشاكل في البحرين، وكما هي الحال في سائر الدول العربية التي شملتها انتفاضة عام 2011، هي نتاج تراكمات من التفرد بالسلطة والثروة، وترك الشعوب بين مطرقة الجوع والفقر وسندان القمع؛ كان لابد لها أن تنفجر في توقيت واحد مع مصر وتونس وليبيا واليمن، حيث الاستئثار السياسي الذي تجاوز الـ30 سنة، والاستحواذ على الثروات بالمليارات في مقابل البطالة والمرض والاستقصاء لأغلبية أبناء الشعب، وبالنتيجة مواجهة المطالب الشعبية بالغازات السامة، والرصاص الحي، والاتهام بالخيانة، وتسخير «البلطجية» بالسلاح الأبيض لترويع الناس وقتلهم.

وهذا المشهد البحريني لا يختلف بأي حال عن المشهد المصري والتونسي والليبي واليمني، وبالتأكيد العديد من الدول العربية الأخرى القادمة في الأثر، ولكن النظرة العوراء والمعايير المزدوجة هي التي تحاول إخراج النموذج البحريني عن إطاره العربي النمطي والعفوي، ومثل هذه المحاولات بالتأكيد سوف تمنى بالفشل كما فشلت مع شمال إفريقيا واليمن.

ولهذا فإن الموقف الشجاع والمبدئي لدولة الكويت في عدم إرسال قواتها المسلحة وبقرار حكيم من صاحب السمو الأمير جنبنا ولله الحمد أي تبعات سياسية أو قانونية أو إنسانية لما ستؤول إليه الأحداث المؤلمة في البحرين، وفي ذات الوقت استخدمت الحكومة وتحديداً سمو الأمير الدبلوماسية والوساطة الحميدة التي طالما كانت أداة نجاح وذات مصداقية منذ الاستقلال؛ ليس على المستوى العربي بل العالمي.

وبعيداً عن العواطف والمجاملات والتعصب الأعمى ومحاولات زج الشأن البحريني في أتون الطائفية، فإن الجهود الدبلوماسية والأخوية وفتح قنوات الحوار هما الطريق الأمثل للتعامل مع دموية المشهد البحريني، والامتناع عن إرسال الجيش الكويتي ولو بشكل رمزي, ووضعه أمام شعب أعزل وشقيق لا ينسجم فقط مع معاهدة الميثاق الدفاعي لدول مجلس التعاون، وكذلك مع موقف الكويت الذي رفض المعاهدات الأمنية الجماعية مع بقية دول الخليج فحسب، لكنه قرار ينم أيضاً عن بصيرة قرأت التاريخ جيداً واستشرفت المستقبل بحكمة.

فمنذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا الحاضر لم تدخل قوات أجنبية لمواجهة شعب دولة أخرى إلا خرجت بذلّ وهزيمة مهما كانت قوة هذه الجيوش، ومهما كانت المبررات السياسية لها، وتكفي تجارب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، والأميركيين في فيتنام، وليبيا في تشاد، وسورية في لبنان، ومصر في السودان، فإرادة الشعوب هي التي تبقى في النهاية.

وإذا كانت البحرين اليوم دمعة تسيل على خد الخليج، فلنحمد الله أننا لم نكن ولن نكون مع من سكبها حتى لا نجني لعنتها على بلدنا وشعبنا وأطفالنا، ليس الآن فقط بل حتى في المستقبل!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة