استيعابنا في الماضي للخلافات واجتيازنا مراحل التصادم كانا بفضل وجود الروح القيادية في العمل السياسي والبرلماني، بالإضافة إلى الالتزام بالحوار والقبول بالنتائج... فقد كانت الجهود إيجابية وداعمة للإصلاح منذ إدارة عملية كتابة الدستور، وتحويله إلى مؤثر سياسي وثقافي جاذب للأجيال القادمة.

Ad

لكل دولة نمط وخصوصية في حراكها السياسي وإدارتها للشأن المحلي، والمتابع للمسار الكويتي في إدارة العلاقات المحلية لا يستطيع إلا أن يقف أمام الواقع السياسي والاقتصادي الجديد الذي فرض نفسه على الحياة السياسية... هذا الواقع هو عولمة العمل السياسي وتأثير الأنماط الجديدة له وللعمل البرلماني في العمل السياسي التقليدي وتحويل مساره إلى منهجية إدارية جديدة.

تلك المنهجية تتضح أحيانا بتحويل القضايا من مطالبات التجمعات السياسية إلى أعضاء البرلمان، وبالتالي إخضاعها لقرارات أعضاء الكتل البرلمانية، وإن كنا نتمنى أن تتضمن إيجابيات التحول إلى الكتل البرلمانية مجالا لإطلاق القدرات التنافسية لأعضاء البرلمان عبر اللجان، والمبادرة بخطط موازية للعمل الحكومي بل أكثر واقعية... كخطة تطوير التعليم، وتحسين جودة المؤسسات الصحية، وبرنامج متكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة، وغيرها من القضايا التي تتعثر الجهود الحكومية في إدارتها وتنشغل الكتل البرلمانية عنها بقضايا أخرى احتار الناخب في تقدير أهميتها، وازداد امتعاضه من تحويل العمل السياسي التنموي إلى مواجهات وعنف لفظي، لنجد أنفسنا اليوم أمام امتحان قاس للتداول الشعبي لقضايانا المحلية.

نقف اليوم أمام العمل البرلماني ونتساءل: لماذا لم تكن إعادة «التعليم المشترك» ضمن أجندة التغيير؟ ولماذا تراجعت الجهود والوعود بتمكين المرأة من المناصب الإدارية والقيادية على مرأى ومسمع من النائبات الأربع؟

اليوم... نحن على موعد مع حلقات جديدة من «مسلسل» أزمات الحوار الحكومي البرلماني، واستعادة سيناريوهات ضياع الوقت في المناقشات البرلمانية غير الهادفة إلى جانب تعثر مساعي التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ألم يكن ارتباط الإصلاح السياسي قديما بالمجالس الاستشارية؟ ألم يكن للنخبة السياسية والاقتصادية دور؟ وماذا عن مرونة الدولة في استيعاب المطالبات السياسية؟

استيعابنا في الماضي للخلافات واجتيازنا مراحل التصادم كانا بفضل وجود الروح القيادية في العمل السياسي والبرلماني، بالإضافة إلى الالتزام بالحوار والقبول بالنتائج...

فقد كانت الجهود إيجابية وداعمة للإصلاح منذ إدارة عملية كتابة الدستور، وتحويله إلى مؤثر سياسي وثقافي جاذب للأجيال القادمة.

فالوثيقة استهدفت تحديد ملامح السلطة السياسية، وتوضيح العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتميزت أمام غيرها من الوثائق والدساتير بدول العالم النامي بالبنود والمواد الخاصة بالحريات وحقوق المواطنين والأحكام الخاصة، واحتفظت الوثيقة «بجمودها» أمام التعديل والتنقيح... وارتأى الإعلام الكويتي في ذلك الوقت أن يفتح الباب على مصراعيه أمام المفكرين العرب ووسائل الإعلام العربية والأجنبية وبرامج مشتركة عبر الإذاعات، والمعارض المشتركة لتبادل المجلات والكتب لصقل فكر ومواهب الشباب الكويتي، والتي كانت دافعا للاتجاه الشبابي إلى التجديد والمطالبات بالإصلاح.

حقيقة يجب أن ندركها اليوم... وهي أن استمرار روح التجديد في التاريخ السياسي نمط إيجابي في الحياة السياسية، ونحن في أمس الحاجة إلى الإدارة الجيدة للعمل السياسي والبرلماني.

كلمة أخيرة: كل عام وأنتم بخير.