الانسان أولاً... يا التكتل الوطني
الوطنية ليست أناشيد وأهازيج، ولا هي تعصب وغلو في الشعور الوطني، الذي يتحول إلى شوفينية كما هي الشوفينية «الجويهلية» المتعالية، أو إلى عنصرية كما هي الحال مع البدون، التي تتعالى هذه الأيام خطابات الكراهية والازدراء حيالهم. هذا الخطاب «اللا وطني» الذي يملأ الدنيا صراخاً وعويلاً بسبب سنوات من التعبئة والبروباغندا ضد البدون، شارك به كذلك بيان التكتل «الوطني» الذي استنكر «تظاهرات» البدون، فانسلخ بذلك عن مبادئه وشعاراته التي يتشدق بها، ونسي أن التظاهر شكل من أشكال الديمقراطية، كما استنكر التكتل «الوطني» «رشق بعض المتظاهرين رجال الأمن بالحجارة»، ولكنه نسي أن يدين العنف غير المبرر من قبل قوات الأمن وقمعها للمتظاهرين، الذين أرادوا أن يعبروا عن آلامهم ومعاناتهم بعد أن سدت كل الأبواب في وجوههم وفشلت في وضع حدٍّ للظلم والبؤس اللذين يحاصرانهم من كل صوب.
السؤال الذي لم نجد له إجابة بعد يا تكتل «وطني»: لماذا استنكرتم ضرب قوات الأمن للنواب في الصليبيخات، وسكتّم عن الغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية والدخانية والرصاص المطاطي، والضرب بالهراوات والركل بالأقدام والعنف الذي يقع على تلك الفئة المستضعفة؟ ما الفرق بين صورة د. الوسمي وهو يضرب ويركل وصورة ذلك البدون الملقى على الأرض تحطم عظامه الهراوات؟ ما الفرق بين اعتقال الجاسم والفضالة والوسمي وحملة الاعتقالات للعشرات من البدون دون محاكمة؟ الفرق هو الورقة التي تحدد الهوية... الفرق هو ضياع قيمة الإنسان مجرداً من كل الهويات.يبرر التكتل الوطني في بيانه «أن منح الجنسية عمل من أعمال السيادة»، متناسياً وهو الذي يرفع شعار الدفاع عن الدستور أن ذلك القانون «غير الدستوري» حرم البدون اللجوء إلى القضاء لإثبات أحقيتهم في الجنسية، ألم يكفل الدستور حق التقاضي؟ ثم من الأولى بالإدانة الضحية أم الحكومات التي تسببت في تفاقم تلك القضية في عدم جديتها وتعسفها ونظرتها القاصرة في حلها بشكل أمني دون الاهتمام بالبعد الإنساني والاجتماعي؟ فهي التي استثنت القبائل من قانون الإقامة لعام 1959، فأقاموا فيها بشكل قانوني، وهي التي كانت تعترف بهم لفترة طويلة (1959- 1986)، وهي التي كانت تلحق أعداداً كبيرة منهم في السلك العسكري، وهي التي أضافتهم في السابق ضمن الإحصاء الرسمي لأعداد الكويتيين، لتنكر اليوم وجودهم التاريخي الذي يمتد للكثير منهم إلى الخمسينيات والستينيات، وتغير مسماهم من «بادية الكويت» في الستينيات إلى «مقيمين بصورة غير رسمية» اليوم! ولتجردهم من أبسط الحقوق الإنسانية التي أقرها الدستور، وتمارس عليهم كل أشكال التضييق غير واعية بالتداعيات الكارثية على أمن البلد واستقراره. نعم هناك منهم من لا يستحق الجنسية، ولكن لماذا التأجيل جيلاً وراء جيل؟ فليعطَ كل ذي حق حقه، وليعامل غير المستحق بإنسانية. لنتذكر اليوم في عيدنا الوطني من دافع منهم عن الكويت أثناء الغزو العراقي، ومن أُسر ومن استشهد، ومن يعيش اليوم بين ظهرانينا من الأجيال الأربعة في فقر وجهل وبطالة وحرمان، في هذا الوطن الذي يصل خيره إلى أصقاع الدنيا. ولنسأل أنفسنا سؤال د. ابتهال الخطيب الموجع «ليتخيل كل منا للحظة وجه طفله ويتساءل: ماذا لو جاع وعجزت، هل أسرق؟ أثور؟ أخرج عن كل حدود المنطق؟»الدعوات التي تطالب بالتهجير القسري والقسوة مع البدون مدعية حبها للوطن هي دعوات عنصرية، والوطنية والعنصرية نقيضان لا يلتقيان، فأمن الإنسان من أمن الوطن. درس اليوم اختصرته الصديقة د. أماني البداح في «أن الشعوب لم تعد تنتظر حزباً أو شخصاً يقودها إلى خلاصها، لذا وجب على كل شخص أن يقوم بعمل، وإن كان بسيطاً للدفع بالأمور إلى الاتجاه الصحيح».وكل عام وأنت بخير يا وطن