أتمنى شخصياً أن تعمل مصر على الدفع بمرشح جديد من دول قريبة منها مثل السعودية أو المغرب انطلاقا من حقائق عدة، بينها أن التدوير فرصة ذهبية لمصر لتأكيد أن خلل الجامعة العربية ليس بسبب جنسية أمينها بل في مكان آخر، كما أن الجامعة العربية ليست أفضل من الأمم المتحدة كي لا يحصل تغيير في رأسها القيادي. إن العرب وقضيتهم المحورية المزمنة، القضية الفلسطينية التي وصلت إلى أسوأ فصولها بوجود حكومتين لوطن غير موجود، ليسوا بحاجة إلى خلاف جديد يدخلنا في متاهة تضييع الوقت الذي لن يستفيد منه غير الكيان الصهيوني، هذه المرة العرب مقبلون على موقعة جديدة عنوانها تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي تهيمن عليه مصر منذ تأسيسها قبل 65 عاما ما عدا مرة واحدة لتونس، هناك محور متشدد يدفع لتدوير منصب الأمين العام، مكون من سورية وقطر والجزائر، وموقف مصري أيضا متشدد يعتبر أن منصب الأمين العام هو لمصر إلى الأبد.

Ad

محور التدوير وجد فرصته التي أتت على طبق من ذهب حين أعلن عمرو موسى اكتفاءه بولايتين في منصب الأمين العام، وما إن استشعرت الخارجية المصرية ذلك التوجه سارع وزير الخارجية بتصريح يخلو من الحصافة السياسية مفاده أن منصب الأمين العام «كان وسيبقى مصرياً»، وكأن القرار في هذا الشأن هو قرار لمصر وحدها في حين أنه كان بإمكان أحمد أبوالغيط التأكيد على ان مصر تتقلد منصب الأمين العام بقبول عربي كبير، ولكنه على ما يبدو عبّر عن المستوى الذي وصلت إليه الدبلوماسية المصرية.

كيف يمكن حسم هذه المعركة في ظل هذا الوضع؟ التاريخ أو الدور الحضاري أو المساحة والكثافة أو النشاط والتأثير الأكبر في الآخرين، المسألة متشابكة لأن أكثر من دولة عربية لديها تاريخ عريض ومساحة شاسعة وتأثير مشهود ليس على الساحة العربية فقط ولكن الدولية أيضاً، فالسعودية حققت قفزة كبيرة على صعيد القضية الفلسطينية بعد توقيع المبادرة العربية الشاملة للسلام مع إسرائيل التي تقدمت فيها لقمة 2002 وقطر من أصغر الدول العربية مساحة ورغم ذلك تمكنت من عقد وساطات مهمة في الأزمة اللبنانية والحرب بين الحوثيين وصنعاء والمشاكل السودانية الداخلية.

إن القضية ليست وجاهة أو حتى وسيلة للإمساك بزمام الأمور العربية «الفالتة»، فالجامعة العربية ليست أكثر من جهاز بيروقراطي يلخص الواقع المؤسساتي العربي، فلو كانت المكونات بالأساس قوية حكيمة ديمقراطية انعكس ذلك على كل شرايين تلك المنظمة أما والحال على ما هو عليه فليس مستغربا أن تكون الجامعة شاحبة جامدة عاجزة.

إن مصر أكبر من ان ترد أو تدافع عن مكانتها فهذه مهمة من يعرفون قدرها، وهم كثر ومشكلتها هي فيمن يتاجر بدورها وتاريخها ويظهرها بمظهر الدولة الضعيفة إن هي فرطت بموقعها في جامعة الدول العربية، وهذا الكلام مردود عليه فمصر خلال الحقبة الناصرية لم تكن بحاجة إلى منصب عربي أو مساحة ضعف مساحتها كي تقود العرب من خلفها، وهي إلى اليوم مازالت الخيمة التي يلجأ إليها الفرقاء بعد اكتفائهم من الإبر المخدرة، هذه المكانة تتطلب منها تقدير أرباح وخسائر الحفاظ على منصب الأمين العام، خصوصاً في هذه المرحلة التي لم يعد للعمل العربي أي تقدير أو احترام من دول عربية كثيرة.

في الختام أتمنى شخصياً أن تعمل مصر على الدفع بمرشح جديد من دول قريبة منها مثل السعودية أو المغرب انطلاقا من ثلاث حقائق أولاها، أن التدوير فرصة ذهبية لتأكيد أن خلل الجامعة العربية ليس بسبب جنسية أمينها بل في مكان آخر، وثانيتها، أن الجامعة العربية ليست أفضل من الأمم المتحدة كي لا يحصل تغيير في رأسها القيادي، وأخيراً، كون مصر هي دولة المقر فذلك عنوان دائم على أهميتها ومكانتها بين العرب.