أنا أمام خيارين، إما التحدث عن الترهل الحكومي الضارب أطنابه في كل الجهات، وهو الذي صار مكشوفا على مرأى الداني والقاصي كخيار أول، وإما الذهاب مباشرة للحديث عن مظهر واحد من مظاهر هذا الترهل.
الخيار الأول مغر جدا، فهو معين لا ينضب، وفيه الكثير مما يمكن الحديث عنه والدندنة، بل القرقعة وإثارة الضجيج حوله، إلا أننا تعودنا وأدركنا مع الأيام بجلاء أن هذا الأمر لا يجدي نفعا، فحكومتنا المجيدة تدرك أنها مترهلة، ومصابة بكل أسقام الترهل، من اضطرابات في الدورة الدموية وارتفاع لنسبة الدهون والسكر والأملاح وخشونة في المفاصل، وغيرها من الأمراض والأوجاع، وما عاد يؤثر فيها أن تخبرها بذلك، كما هو بالضبط لا يؤثر في الشاة سلخها بعد ذبحها.وأما الخيار الثاني في المقابل، وعلى الرغم من كونه أقل بريقا وجاذبية للكاتب، وربما للقارئ على حد سواء، وذلك لافتقاره عناصر الإثارة المعتادة في مقالات الهجوم والتشنيع على الحكومة، إلا أنه قد يكون أكثر فاعلية، لكونه سيتوجه نحو أمر جزئي، وربما صغير، قد يستثير حمية الحكومة فتعمل شيئا وتثبت أن الشاة لم تذبح بعد! ولهذا قررت أن أتوجه نحو هذا الخيار وعلى الله التكلان، وهو المستعان.كشفت العواصف الرملية التي مرت على البلاد خلال الأيام الماضية، وهي التي يتوقع لها أن تكرر زياراتها خلال الفترات المقبلة كما يؤكد خبراء الأرصاد الجوية، عن افتقار البلاد لأبسط مبادئ التنسيق و»التشبيك» بين الجهات المسؤولة المختلفة التي يفترض بها التعامل مع مثل هذه الظروف، كالأرصاد الجوية ووزارة الداخلية والإطفاء ووزارة الصحة وغيرها، فحجم الارتباك الذي ظهر، وكمية الاتهامات المتبادلة بين الجهات، بأن هذه الجهة لم تنبهنا وأن تلك لم تتحرك أو أن هذه تحركت دون تنسيق وغير ذلك، ناهيك عن سلسلة الأخطاء التي وقعت، كانت جميعها مضحكة إلى حد البكاء، أو لعلها مبكية إلى حد الضحك!لكن ما يزيد الطين بلة، أن ما واجهته البلاد لم يكن سوى عواصف غبارية معروفة معتادة، حتى إن اشتد عيارها هذه المرة، وليست كوارث من الحجم الكبير من تلك النوعيات التي تعصف بالبلاد والعباد في مشارق الأرض ومغاربها لا سمح الله، ولهذا فنحن في قلق كبير، لأن جهاتنا المسؤولة التي غرقت أمام نواظرنا في شبر من الماء، أو لنقل في شبر من الغبار، لا يمكن أن نصدق أنها ستكون على قدرة على التعامل مع الأحداث الجسام إن هي وقعت، بل كأننا نراها ستجلس يومها، في جانبنا، لتنوح وتبكي كالعجوز الثكلى!الكويت في منطقة غير مستقرة سياسيا وعسكريا، وعلى مقربة من منشآت نووية في بلاد ساخنة جدا، وهناك أحاديث تتردد عن احتمال حدوث هزات أرضية يوما ما في المستقبل غير البعيد، لا ندري عن مدى مصداقيتها فالجهات الرسمية لم تثبتها أو تنفها، وغير ذلك من الاحتمالات، وكل هذا الخليط المتفاعل، ووفقا لأبسط مبادئ العقل والمنطق، يتطلب وجود خطة رسمية واضحة ومحددة لكيفية التعامل مع أي من هذه الأحداث في حال حصولها، وتحديد مبين لأدوار الجهات المختلفة وطرق التواصل في ما بينها، وهيكلية وشبكة اتخاذ القرارات، ناهيك عن أسلوب وآليات التواصل مع وسائل الإعلام، سواء لبث الأخبار أو لتوجيه الجمهور!من المعيب حقا، أن يظل الناس في الأمس عندما هبت العاصفة الغبارية، يتساءلون فيما بينهم ولوقت طويل عما إذا كانوا يجب أن يأخذوا أولادهم إلى المدارس والكليات والجامعات أم لا، أو هل يذهبون إلى مقار أعمالهم أم لا، ومن المعيب حقا أن يعجز المسؤولون في كثير من قطاعات العمل عن الرد بإجابة واضحة إما جهلا وإما ضعفا عن اتخاذ القرار، ومن المعيب أيضا أن يتعسف بعض الأشخاص في مواقع مختلفة، هكذا اعتباطا في إجبار الطلبة والموظفين على الدوام تحت ذاك الجو الرديء بذريعة أنه لم يصلهم أي قرار رسمي، ومن المعيب أيضا أن يتخبط تلفزيون الدولة الرسمي عبر مذيعه في التعامل مع الحدث من خلال تعليقاته غير المتناسبة مع حساسية الأمر ولا الشافية لقلق الجمهور، ويبدأ بالإفتاء من عنده، وغيرها كثير!هذا الموقف، وكما أسلفت، كشف عن عوار كبير لدى جهاتنا المسؤولة، ولهذا يجب المسارعة الآن إلى تكوين وتفعيل خطة ومركز طوارئ تناط به مسؤولية التعامل معه مثل هذه الأحداث واتخاذ القرارات السريعة والعاجلة حين حصولها، بحيث لا يترك الأمر نهبا لارتجال اللحظة ووفقا لتقدير الأطراف المختلفة، كل على حدة!
مقالات
غبار... الجهات المسؤولة!
14-04-2011