عاد الشيخ ناصر رئيساً للحكومة، ولكنه عاد أكثر ضعفاً من السابق على المستوى الشعبي، لذا فالمنطق يقول إنه سيسعى إلى إعادة ترميم وبناء هذا الجانب، لكننا ومن خبرة السنوات السابقة، نكاد نجزم بأن احتمال أن يتم هذا من خلال تحقيق الإنجازات وتحريك عجلة التنمية حقاً هو احتمال ضئيل، لإدراكنا صعوبة الأمر وارتباطه بكثير من العوامل الخارجة على إرادته وقدرته. عودة الشيخ ناصر المحمد رئيسا للحكومة مجدداً، لا يصح أن تشكل أي مفاجأة لمتابع متبصر بالشأن السياسي الكويتي، فهذه العودة كانت متوقعة جداً في ظل الإشارات الواضحة المتتابعة، وبالأخص ما يجري داخل أسرة الحكم بسبب الحسابات والتوازنات القائمة هناك، وهي الحسابات والتوازنات التي لا ترتبط دوماً بالضرورة، بل تكاد تتحرك بمعزل عما يجري في الخارج، أعني تحت قبة البرلمان من صراعات ومواجهات، وفي الشارع السياسي من احتقان بل غليان!

Ad

الشيخ ناصر المحمد، وكما كتبت في ديسمبر الماضي في عين هذه الزاوية، صار هو الخيار الدائم للقيادة العليا، لسببين رئيسن: أولاً، وكما ذكرت في المقدمة، لضمان توازنات أسرة الحكم داخلياً، وثانياً، وهو عامل مهم جداً يجب ألا يُغفل عنه، أن بقاء ورحيل الشيخ ناصر صار يعني في نظر النظام الانتصار أو الهزيمة أمام قوى «المعارضة»، والنظام لا يقبل بالهزيمة!

هذه الجزئية قد حسمت الآن، فناصر المحمد هو رئيس الحكومة، لكن هذا لن يعجب من أعلنوا رفضهم له ولا يزالون على ذلك، بطبيعة الحال، إلا أن على هؤلاء أن يدركوا أنهم أمام مفترق طرق الآن في تعاملهم مع الأمر، إما الرفض والتصعيد من خلال الاعتصامات وغيرها كما حصل في السابق، وإما البقاء على الرفض، لكن مع التحرك بشكل أكثر هدوءا وعمقا.

الشيخ ناصر المحمد، ومنذ تولى رئاسة الحكومة حتى الساعة، يواجه العديد من المشاكل، لكن أهم مشاكله اليوم، في قناعتي، هو انحسار شعبيته بشكل كبير عند عموم الناس، وليس عند منتسبي القوى السياسية والناشطين السياسيين فحسب، وهذا الأمر قد صار محسوساً وملموساً عند كل شخص يتابع حوارات الناس وتعليقاتهم في كل مكان، وهذه الشعبية المنخفضة لم تكن ناتجة عن ضعف أداء الحكومة وتخبطها، بقدر ما نتجت عن سوء إدارة هذه الحكومة للصراع مع مخالفيها ومعارضيها ورافضي وجودها، خصوصاً رافضي بقاء رئيسها.

هذه الأخطاء، التي وصلت إلى حد أن نصفها بالقاتلة في بعض الأحيان، خلقت جواً شعبياً كبيراً معارضاً لبقاء الرئيس، أكثر بكثير مما خلقه ضعفها في دفع التنمية أو فسادها الإداري أو حتى المالي، لأن الناس في العموم قد ألفت متابعة هذه الأمور منذ الأزل.

نعم، عاد الشيخ ناصر رئيساً للحكومة، ولكنه عاد أكثر ضعفاً من السابق على المستوى الشعبي، لذا فالمنطق يقول إنه سيسعى إلى إعادة ترميم وبناء هذا الجانب، لكننا ومن خبرة السنوات السابقة، نكاد نجزم بأن احتمال أن يتم هذا من خلال تحقيق الإنجازات وتحريك عجلة التنمية حقاً هو احتمال ضئيل، لإدراكنا صعوبة الأمر وارتباطه بكثير من العوامل الخارجة على إرادة وقدرة الشيخ ناصر، ونرى أن الاحتمال الأقرب هو السعي إلى جر قوى المعارضة السياسية والناشطين السياسيين الرافضين وجود رئيس الحكومة إلى التصادمات والمواجهات العنيفة أو الخارجة على المألوف المجتمعي، ليمكن حينها وصفها بالغوغائية وسعيها الدائم إلى تقويض الاستقرار السياسي، وتعطيل عجلة التنمية وعرقلة مساعي الحكومة للمضي قدماً في الإنجاز، وسيقود هذا الناس إلى القول بألا ملامة على رئيس الحكومة ووزرائه، فهم لم يعطوا الفرصة الكافية للعمل، بل جرى إشغالهم طوال الوقت في الصراعات والمواجهات غير الموضوعية!

هذا ما سيحصل غالباً، وأما حل المجلس، سواء بشكل دستوري أو غير دستوري، فهو أمر مستبعد في ظني، أولاً لأن تركيبة المجلس الحالية خادمة جداً لأجندة الحكومة، ولا يمكن ضمان عودتها في حال الانتخابات الجديدة، وكذلك لأن الظروف الإقليمية لا تتحمل حلا غير دستوري يهدد بكشف الجبهة الداخلية.

لهذا، فالسبيل الأذكى أمام قوى المعارضة والنشطاء السياسيين الرافضين لوجود الشيخ ناصر هو التحرك بطريقة أكثر تنظيماً وموضوعية من مجرد الاعتصامات لأجل الاعتصامات، وذلك حتى يتجنبوا الوقوع في فخ اتهامهم بالتأجيج والغوغائية، وهو الأمر الذي سيفقدهم أجزاء مهمة من التأييد الشعبي الذي اكتسبوه.