أدرك تماماً السبب الذي يدعو وزارة الداخلية إلى الحرص على «قمع» تظاهرات «البدون» بهذه القسوة كلما اندلعت، فالأمر ليس راجعاً، كما تزعم، إلى رغبتها في الحفاظ على الأمن، فقد شاهدت بنفسي ومن خلال تسجيلات فيديو عدة كيف تبدأ التظاهرات سلمية وهادئة ومحصورة في مساحة ضيقة، يرفع فيها المشاركون اللافتات والأعلام ويرددون الشعارات الوطنية، وكيف تباشر قوات الأمن في تفريقهم باستخدام الهراوات والقنابل الدخانية والمسيلة للدموع.

Ad

صحيح أن بعض مقاطع الفيديو تظهر قيام بعض المتظاهرين برمي قوات الأمن بالحجارة، لكن هذا التصرف، وهو المرفوض قطعاً، كان دائما ما يأتي كردة على الهجوم القمعي، وليس كفعل ابتدائي، كما شاهدنا في تسجيلات الفيديو وعلمنا من شهادة كثير من الشهود الثقات، كويتيين وغيرهم.

البعض حاول خلال الأيام الماضية أن يلصق تهمة «الغوغائية» بـ»البدون» وأنهم لا يتحلون «بأخلاقيات» الكويتيين الذين يحترمون رجال الأمن وهيبة وزارة الداخلية، من باب «انظروا كيف يهاجمون قوات الأمن بالحجارة»، وهذا الكلام ركيك سطحي جدا، فـ»البدون» ليسوا كياناً واحداً مصمتاً، حتى يستطيع شخص ما، وبكل هذه البساطة، أن يسحب عليهم تصنيفاً سلوكياً واحداً، بل هم من فئات شتى، شأنهم شأن الكويتيين أنفسهم تماماً.

ناهيك عن أن التطاول على قوات الأمن ورجاله، والتعدي عليهم، ليس أمراً محصوراً بما جرى من بعض الشباب المراهق أو الأفراد المتهورين في تظاهرات «البدون»، إنما رأيناه، بل أكثر شدة في تلك المواجهات التي حدثت في منطقة الصباحية منذ سنوات عدة، عندما حاولت وزارة الداخلية التصدي للانتخابات الفرعية لإحدى القبائل، وكذلك تابعناه منذ مدة عندما تطاول «شيخ» بالضرب على بعض أفراد رجال الأمن في أثناء تأديتهم لعملهم، وكذلك عندما تعدى نائب «محترم» على أحد كبار الضباط في وزارة الداخلية، وكذلك نتابع أخباراً تكاد تكون يومية في الصحف عن تعدي «كويتيين» على الشرطة بالضرب والشتم وغيره. وبالتالي فمسألة التطاول على رجال الأمن، ليست مقصورة على ما جرى من «البدون» في تظاهراتهم، إنما هو أمر رأيناه من كويتيين أيضاً، والأمر يرتبط في النهاية بطيش الأشخاص وتهورهم على مستواهم الفردي لا إلى الحالة العامة.

أعود لما بدأت به مقالي لأقول إن السبب الرئيس الذي يدفع وزارة الداخلية إلى قمع «البدون» بهذه القسوة، هو أن من يحركها يفكر بعقلية العسكري المبرمج لا السياسي المحنك، ولسان حاله يقول: لن أقبل أن تراق هيبتنا من هؤلاء «البدون» أيضاً، لذلك فهي تنكِّل بهم، بل تزيد الجرعة، وكأنها تنتقم من كل من تجرأ على هدر هيبتها وقيمتها، بل كأنها تداري سوءها وسوءتها التي انكشفت إثر التخبطات التي حصلت منها ومن أفرادها طوال الشهور الماضية، ولاتزال!

قيام قوات الأمن بقمع هذه التظاهرات بالقسوة التي شاهدناها عبر مقاطع الفيديو التي انتشرت في كل مكان، أعطى دليلاً جديداً ووثيقة أخرى، لكل من يريد أن يقول إن الحكومة الكويتية تظلم هذه الفئة، ولا تريد إعطاءها حقوقها وحل قضيتها، فتفريق المتظاهرين، الذين تجمعوا أصلاً في مناطقهم التي يسكنونها، لم يخفِ أمر الواقعة، ولم يدارها تحت التراب، بل أثار غبارها ونشره في الآفاق، وصار من لا يشتري يتفرج، «وببلاش»!

ولو كانت هناك ذرة من الحكمة والحصافة عند جماعتنا، لتُرِك هؤلاء الشباب يتظاهرون في ساحاتهم الترابية، مع قيام القيادات الأمنية بإعطائهم التعليمات بعدم جواز الخروج من مساحة محددة، وعدم جواز عرقلة حركة المرور ومصالح الناس، لكانوا اجتمعوا لبعض الوقت، يطول أو يقصر، ثم انفض جمعهم وذهب كل شخص إلى شأنه، ولسجلت حكومتنا نقطة لمصلحتها على سعة صدرها وحكمتها في استيعاب حتى تظاهرات هذه الفئة.

ولو كانت هناك ذرة من الحكمة والحصافة لذهب أحد المسؤولين إلى هؤلاء المتظاهرين وقال لهم أعطونا مطالباتكم مكتوبة بشكل منظم منطقي وسننظر في ما يمكن تحقيقه منها، فنحن جادون بالفعل بحل القضية تبعا لتوجيهات سمو الأمير، وها هي اللجنة المكلفة بحل القضية تعمل على مدار الساعة، وستنتهي من ملفكم في أسرع وقت لإعطاء كل ذي حق حقه، والجنسية لمستحقيها، والحقوق الإنسانية للجميع، والعقاب للمزورين.

لكن ماذا نقول وجماعتنا أبعد ما يكونون عن مثل هذا التفكير والتخطيط المنظم، بل فيهم من الطيش والتهور، ما لا يقل أحيانا عن طيش «مراهقي» هذه التظاهرات وتهورهم؟!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة