كيف نواجه المعضلات؟
تكون الخيارات التي علينا اتخاذها دقيقةً أحيانًا، لكن، لحسن الحظ قلما نجد أنفسنا بمواجهة معضلة. وهذا أفضل بالطبع، فمواجهة معضلة تعني أن ما هو على المحك مهمٌّ جدًا وأن عبء المسؤولية الناتج من عواقب أخذ أي قرار قد يسبّب لنا الشلل.
المعضلة بمعناها الدقيق هي وضع يتطلّب الاختيار ما بين حلّين متناقضين، إنما يؤديان الى نتيجة واحدة. لكن مع الوقت أخذ معنى كلمة معضلة أبعادًا أكبر، بحيث أصبحت تعني وضعًا يترتّب عليه خيار مؤلم. هي تتعلّق إذن بخيار صعب يكون دائمًا غير مرضٍ.
قد تتغيّر الخيارات عندما تتكرّر المعضلة، وقد يصبح ممكنًا حينها التوصّل الى قرار يؤدي الى تعاون. ففي حياتنا اليومية نحن معرّضون لمعضلات من كل نوع: مرض، مواجهة تغيير وظيفي أو تغيير في العمل، تغييرات جذرية غير مرغوب فيها. كذلك، ثمة معضلات أخلاقية أو دينيّة. في الحياة الزوجيّة قد تواجه المؤسسة الزوجية معضلة ما، خصوصاً إذا كان أحد الزوجين يخفي أسراراً خطيرة عن شريكه. في هذه الحالة، عليه الأخذ في الاعتبار أن أموراً عدة أصبحت على المحك: إن اعترفت بالأمر قد ينبذني الطرف الآخر، وإن لم أقل له شيئاً، سأحمل عبء هذا السر، وسيكون ذلك خداعاً إضافياً له وسينغّص عليّ حياتي. كذلك، ثمة أنواع أخرى من المعضلات، فغالبًا ما تجد امرأة متزوّجة من شخص أناني جداً (وهي شخصية نجدها لدى بعض الرجال) نفسها بمواجهة معضلة. يعتبر الرجل أن الوضع طبيعي، فيما تجد المرأة نفسها مضطرة الى القيام بخيار: إما أن تبقى وتقبل بهذا النوع من الهيمنة مع معرفتها بالعواقب السيئة التي ستقع عليها بسبب ذلك، أو أن ترحل لتتحرّر. إنما لا يمكن أن يتمّ هذا الأمر من دون معاناة، لأن المشاعر لا تزال موجودة وهي تولّد الألم والشعور بالذنب، ناهيك عن الشعور بالخوف من ردة فعل الطرف الآخر. ثمة أيضاً معضلة مشابهة، إنما أكثر خطورة، تعيشها النساء المعنّفات. ليس الرحيل مرضياً، بمعنى أن المرأة حينها تعرّض نفسها لانتقام الطرف الآخر، من دون أن ننسى أن ذلك قد يعني خسارتها لبيتها، وأحياناً جرّ أولادها الى هذا العذاب. والبقاء أيضاً غير مقبول، لأن الضرب المتكرّر قد يتسبّب لها بإعاقة أو عاهة جسدية، أو حتى بموتها. كذلك، الاختيار بين رجلين قد يكون معضلة لبعض النساء، كون كلّ منهما لديه صفاته الحسنة الخاصة به ولا أحد منهما يمثل كل ما يحلمن به. طريق مسدود المعضلة مشابهة للطريق المسدود، إنما ليست طريقًا مسدودًا. إذ يتعلّق الأمر بخيار صعب ومعقّد، نعرف منذ البداية أنه لن يشكّل مخرجاً مثالياً. لكن ليس من النادر أن نجد أنفسنا بمواجهة مشكلة من هذا النوع خلال حياتنا، حيث تفاقم المشاعر الوضع الدقيق. ثمة معضلة أخرى أقل مأساوية، لكنها قد تضع بعض النساء أمام خيار صعب، وهي الاختيار بين إنجاب طفل أو التركيز على الحياة المهنية. الخيار واضح بالنسبة الى أكثرية النساء، لأن الرغبة في إنجاب طفل تفوق أي شيء آخر. لكن بالنسبة الى نساء أخريات، تشكّل الحاجة الى التطوّر من خلال العمل، الذي قد يكون أحياناً شغفًا حقيقياً لهن، تعارضاً مع إمكان إنجاب وتربية طفل أو أكثر، مهما بلغت الرغبة في ذلك. الاختيار... سواء كنا بمواجهة معضلة أم لا، علينا أن نتخذ قراراً ابتداءً من اللحظة التي نكتشف فيها أننا واقعون في مشكلة تتطلب ذلك. عدم التفكير باتخاذ خيار معناه أن نواصل حياتنا الحالية، أو أن نضع أنفسنا تحت رحمة الطرف الآخر بشكل كامل، أو أن نترك الزمن يفعل فعله، فيما الزمن ليس حليفنا. نجازف في هذه الحالة بأن نستيقظ ذات يوم والندم يتآكلنا، لأننا لم نتمكّن من فعل ما كان علينا أن نقوم به. فالقيام بالخيار الصحيح هو أمر نتعلّمه على المدى الطويل، ويتعزّز مع مرور الوقت والتقدّم في حياتنا. لمساعدة أنفسنا، من الضروري المرور ببعض المراحل، وهي: - معرفة ما نرغب فيه حقيقةً في الحياة، وهذا هو الهدف الأساسي. لذلك، ينبغي استعادة شيء من الصفاء وأن يكون القيام بخيار تحت الضغط أمراً استثنائياً. - القبول بإمكان حصول خطأ. وهذا لا يعني بالضرورة تدمير حياتنا، فنحن لا نستطيع دائماً أن ندرك العواقب المتعددة والبعيدة المدى التي قد تنتج من تصرفاتنا. - مراجعة الخيارات الممكنة. - استبعاد معظم هذه الخيارات، وقد تساعدنا في ذلك المقارنة بين السلبيات والإيجابيات التي قد تنتج منها. - الاستماع الى حدسنا الخاص. للأحاسيس أهميتها، ومن المثير للاهتمام أن نأخذ بعض الوقت للسماح لأنفسنا بالشعور بالآخر بواسطة الحدس. - الاعتماد على بعض الإشارات. لا يتعلّق الأمر باللجوء الى التنجيم، لكن الأحداث نفسها تأتي أحيانًا لتعزّز رأينا بوجوب اتخاذنا اتجاهاً كنا نتردّد في أخذه. على أية حال، يتعلق الأمر غالبًا بإشارات تأتي كرد فعل على مواقف غير واعية كنا قد اتخذناها. - القيام بخيار استنادًا الى هذه المعطيات كافة والتشبّث بطريقة تصرّف معينة. - بعد اتخاذ القرار، يأتي وقت النقاش حوله، وليس إعلانه فحسب، مع الأشخاص الذين سيكون عليهم تحمّل تبعاته، سعياً الى التوصّل الى اتفاق في حال كان ذلك ممكنًا. وهنا يعتمد الأمر فعليًا على الأشخاص الذين نحن بمواجهتهم، فالحوار ليس دائماً ممكناً. - بعد ذلك يأتي وقت التنفيذ، وهذا أمر ينبغي أن يتم بقناعة تامة. فلنأخذ مثالاً على ذلك، وضع امرأة تعيش مع زوجها الذي لا تزال تحبّه، لكنّها في الوقت نفسه بدأت تشعر بالملل من روتين هذه العلاقة. عندما تصبح الحياة صعبة ويصبح اتخاذ القرار أمراً ضرورياً، يسمح لها المرور بكل هذه المراحل بأن تصبح أكثر صفاء. وقد يحدث أيضاً أنه على رغم كل الاستنتاجات الناتجة من مرورها بهذه المراحل أن تتغلّب عليها عواطفها، تمامًا كالأطفال الذين يقومون بخياراتهم معتمدين على أناشيد طفولية. تقبّل نتائج قراراتنا التفكير مسبقًا بسلبيات قرار ما وإيجابياته والحصول على وقت كاف لذلك، خطوة مهمة في اتجاه تقبّلنا لنتائج خيارنا بمواجهة معضلة ما. لكن العودة الى الوراء أمر لا بد منه، وكذلك لحظات فقدان العزيمة. الهدف هو التوصّل الى تقبّل الأحداث التي ستتبع اتخاذنا قراراً ما بأفضل طريقة ممكنة. قد تشعر المرأة التي قررت التضحية لتبقى مع زوجها ببعض الضيق، لكن تذكّرها للأسباب التي دفعتها الى القيام بهذا الخيار يسمح لها بالمضي قدماً. من جهة أخرى، قرارها بأن تطلق زوجها سيقلب حياتها رأساً على عقب. وفي هذه الحالة أيضاً، ينبغي التغلّب على لحظات فقدان العزيمة أو اليأس عبر تذكير الذات بالأسباب التي دفعتنا الى التخلّي عن حياتنا السابقة. حين نكون جزءاً من عائلة متوترة، علينا أن ندقّق بالأسباب التي أدت الى نشوء هذا الوضع. لا يتعلق الأمر بالصدفة البحتة ولا بروتين الحياة الزوجية الذي نعتبره أحيانًا سبب نشوء وضع مماثل. يمر الوقت وتتغيّر رغباتنا، ولا نكون دائماً على اتفاق مع الشخص الذي اخترناه منذ سنوات مضت. من الضروري، إعادة النظر بالوضع والتوصّل الى تحديد الطرق التي تسمح بتحسينه. المعضلة... ألا يمكن تجنّبها؟ نستطيع القول إن تجنّب المعضلة غير ممكن في معظم الأحيان. لسنا كاملين، كذلك لا نقضي وقتنا في تحليل وضعنا أو مزاجنا. يضاف الى ذلك أن بعض الأحداث يكون غير متوقعاً، وقد يضعنا في مواجهة معضلات صعبة أحيانًا. المرض أحد هذه الأحداث التي لا يمكن السيطرة عليها والذي يضعنا بمواجهة معضلة حقيقية شديدة الأهمية. لا فائدة إذاً من الشعور بالذنب، فالمعضلات جزء من الحياة. الحصول على مساعدة على رغم النوايا الحسنة والمحاولات المتكرّرة للخروج من معضلة ما، قد يكون من الصعب أحيانًا لا بل من المستحيل القيام بذلك من دون مساعدة. لكن من الأفضل اللجوء الى شخص أكثر حيادية وليست لديه أفكار مسبقة حول الموضوع. يمكن للطبيب النفسي أو لاختصاصي في الحياة الجنسية أو لمستشار زواج أو لاختصاصي في التخطيط العائلي أن يساعد الشخص المعني على الخروج من الطريق المسدود، شرط أن تسبق ذلك إقامة علاقة ثقة وحدوث نوع من الارتياح بين الطرفين. كل الحلول ممكنة بحسب نوع المعضلة التي نواجهها. يكمن لب الموضوع في قدرتنا على الخروج من هذا الوضع لنتمكّن من النظر نحو المستقبل، ذلك أن عدم قدرتنا على أخذ قرار سيمنعنا من إتمام أي مشروع مستقبلي. يمر الوقت سريعاً، لذا من الأفضل لنا أن نبدأ بالعمل!