كنت قررت، ولعلكم لاحظتم شيئاً من هذا، الابتعاد عن الكتابة السياسية خلال شهر رمضان، حتى لا أعكر بهاء الشهر الفضيل بالكتابة عما لا طائل من ورائه غالباً، إلا أن حدثاً كبيراً كحدث لقاء رئيس الحكومة التلفزيوني الأول، يستحق تغيير المخططات. لكنني سأعترف قبل ذلك بأني لم أشاهد اللقاء حين جرى بثه حياً، وبقيت متابعا لردود الأفعال التي تنوعت ما بين قادح سادر في القدح، ومادح مبالغ في المدح، حتى تمكنت من مشاهدته مسجلاً على «اليوتيوب» بالأمس القريب (وهذه بالمناسبة مفارقة، فرئيس الحكومة هو في منصب يستحق معه أن يكون له موقع إلكتروني متكامل يحتوي على كل مواده أولاً بأول، ومنها هذا اللقاء التلفزيوني، لا أن نضطر للبحث عنه في «اليوتيوب» بعدها بأيام!).
أول ردود الأفعال التي كانت قد وصلتني هو ما كتبه الصديق العزيز طارق المطيري في مدونته الشهيرة، الطارق، مباشرة على إثر اللقاء، والطارق لمن لا يعرفه، معارض شديد المعارضة، لا يدخر جهداً ولا يفوِّت مناسبة للتعبير عن رفضه. كتلة من الطاقة والنشاط، ما شاء الله لا قوة إلا بالله، خسرتها الحركة الدستورية، وإن كان هذا حديثاً آخر. لهذا فإن رأي طارق بخصوص اللقاء، وفي رئيس الحكومة عموماً، لم يكن مفاجئاً وما كان ليخرج عن التوقعات، لأنه ما كان ليرى فيهما ولا حسنة واحدة مهما حصل. وهذا الأمر، بالمناسبة، لطالما أربك «موضوعية» ما يكتبه الطارق عادة في هذه المسألة، وهو لا يخرج كثيراً عن الكتابة فيها على أي حال.وأما أبرز المادحين فكانت افتتاحية جريدة «الجريدة» في اليوم التالي لبث اللقاء، حيث أشادت به، وبمبالغة بعض الشيء، وبالأخص في تلك الجزئية الخاصة بعفويته، حيث لم يكن الأمر صحيحاً جداً.ويمكن لي الآن ومن بعد مشاهدة اللقاء مسجلاً، أن أقول إنه ليس بذلك السوء الذي وصفه «الطارق»، على سبيل المثال، وليس بذلك الإبهار الذي أوحت به افتتاحية «الجريدة»، أيضاً على سبيل المثال، لكنه وبعيداً عن تفصيلات ما جاء فيه من تصريحات جيدة، وإن غير جديدة، يبقى في صورته العامة حدثاً سياسياً مهما ذا دلالات تستحق النظر.يا سادتي، لنتذكر وقبل كل شيء بأن رئيس الحكومة لم يكن مجبراً على إجراء هذا اللقاء على الإطلاق، فلم يكن هناك اليوم من دافع مستجد، بل كانت خطوة قام بها بإرادته، مثلت عملاً غير مسبوق في ممارستنا السياسية من حيث الطريقة والأسلوب. وهذه الخطوة يجب أن تحسب له ولا شك، لأنها تدل على أنه أدرك اليوم ضرورة مخاطبة الجمهور والتفاعل معه مباشرة.الأمر الآخر، وهو أنه صحيح أن اللقاء لم يكن عفوياً، وكل إعلامي كان بإمكانه أن يدرك هذا بعد دقائق بسيطة من المتابعة، حيث كانت مؤشرات إعداد النص والإخراج والمونتاج واضحة، وإن مرت برشاقة، لكن هذا ليس بعيب من وجهة نظري، بل يجب أيضا أن ينظر إليه من زاوية أخرى أهم، وهي حرص الرئيس على الظهور بصورة مقنعة، مما يدل على أنه أولاه اهتماماً كبيراً، وبذل فيه جهداً استثنائياً.لكن وبطبيعة الحال، فهذا اللقاء، ولو بلغ من الجودة والاتقان مبلغاً كبيراً، ما كان ليقلب الموازين، ولو كان رئيس الحكومة وفريقه قد راهنوا على شيء من هذا فهم مخطئون، وذلك لأن رصيد الحكومة الشعبي، ورصيد رئيس الحكومة على وجه الخصوص، قد تقلص كثيراً، ومثل هذا الظهور ما كان ليأتي بالكثير، ولو تكرر.إلا أنه، في أقل القليل، خطوة يمكننا التفاؤل بها، فليس من المعقول أن يكون قد أريد لها أن تكون مجرد فرقعة إعلامية والسلام، كما أنه غني عن القول، إن مثل هذه الخطوة، حتى ولو جرى تكرارها ومعاودتها بأشكال مختلفة، ما كانت لتفعل شيئاً ما لم يتم تعضيدها بالعمل الجاد والإنجاز الحقيقي، فالكلام مهما كان جميلاً وبراقاً سيبقى كلاماً سرعان ما ستطويه الذاكرة، في حين أن الإنجاز ولو لم يكن مصحوبا بالكلمات الرنانة يظل شاهداً على مر الزمن. وكل عام والجميع بخير وعافية.
مقالات
لقاء الرئيس... بين الكلمات والانجاز!
09-09-2010