الفلاح بين الهوامير والزوري!
منذ أزمة المناخ الأولى في عام 1976 وما تلاها من أزمات مالية مدمرة، بسبب التداولات في الأوراق المالية وما صاحبها من تجاوزات تسببت في خسائر كبيرة لمدخرات شريحة واسعة من المواطنين، وأضرار للقطاع المصرفي وهدر لمليارات الدنانير من المال العام، وهناك مطالبات بتنظيم سوق الأوراق المالية وإنشاء هيئة مستقلة لمراقبة هذا القطاع الهام وإدارة شؤونه لتطوير الاقتصاد الوطني وحماية حقوق المتداولين فيه، وبعد سنوات طويلة من البحث أقر قانون هيئة سوق الأوراق المالية بداية العام الحالي، وتم أخيراً تسمية رئيس الهيئة ومفوضيها.
سوق الأوراق المالية الكويتي (البورصة) شهد على مر السنوات الماضية جرائم تلاعب وتزوير واحتيال كثيرة، تسببت في خراب العديد من بيوت المواطنين، ودمرت مستقبل شباب دون ذنب، بينما صنع منها البعض الآخر ثروات دون وجه حق على حساب مآسي الآخرين، ولم تستطع القوانين واللوائح، بسبب قصورها أو التهاون في تطبيقها أو ضغوط المتنفذين، أن تقتص من المتجاوز، وتعيد الحق إلى المغبون إلا في مناسبات قليلة ونادرة، وزادت ممارسات التحايل والشركات الوهمية والورقية من «طقت» شركات «بيض الخعنفق»، كما أسماها الفنان عبد الحسين عبد الرضا في مسرحيته الشهيرة فرسان المناخ، في التلاعب بأموال المساهمين ونهبها دون أن تجد من يردعها عن ممارساتها تلك، وحالياً هناك العديد من تلك الشركات المدرجة في البورصة التي تقاوم الإفلاس بعد أن أوقفت عن التداول وامتنعت عن تقديم بياناتها المالية، بما يهدد بضياع أموال الآلاف من مساهميها.رئيس هيئة سوق المال المصرفي المحترف صالح الفلاح ومفوضو الهيئة من أصحاب الاختصاص تقع عليهم مسؤوليات كبيرة في التأسيس لعهد جديد للتداولات المالية وبورصة الكويت، تسوده قوة قانون سوق المال الجديد الذي سد الكثير من الثغرات، بعيداً عن محاولات أصحاب المصالح وضغوطهم لاستئناس القانون، وجعل بعض مواده مجرد نصوص دون تطبيق، وهي مسؤولية الفلاح ورفاقه التي يجب أن يثبتوا جديتهم في تطبيق كل بنود القانون التنظيمية والجزائية، وهو أمر لا أشك في قدرة الفلاح على تطبيقه، نظراً إلى إجراءاته وقراراته الصارمة عند بداية توليه مسؤولية إدارة البورصة منذ عدة سنوات، ولكنه، وللأسف، لم يسند بالدعم الحكومي المطلوب ليستمر فيها ويطورها، وهو الذي حذر، وقرع ناقوس الخطر من بعض الممارسات التي تقوم بها الشركات الورقية والفبركات الإعلامية التي تنسجها بشأن نشاطاتها وأرباحها لخداع المستثمرين. لاشك في أن قبول الفلاح وزملائه تحمل مسؤولية هيئة سوق المال هو قرار صعب يتطلب جرأة في المواقف وحزم القرار لتنفيذ القانون، ولإنجاز هذه المهمة الكبيرة، وهو أمر يتطلب أيضاً وبشكل أساسي دعماً كاملاً من السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، حتى ينتهي عصر الفلتان والجور على «حلال» الناس، ومقدرات ومستقبل البلد الاقتصادي، ولاشك أيضا في أن تطبيق القانون سيكشف بعض الثغرات التي ستحتاج إلى سرعة معالجتها بتعديل القانون وتطويره، وهو ما سيتطلب التعاون والاستجابة السريعة من المجلس والحكومة لمؤازرة الهيئة للقيام بما ينتظره الجميع منها، بطي عصر أصحاب النفوذ والسطوة والمتلاعبين على البورصة، الذي تسبب في مآس مدمرة للمواطنين والاقتصاد الوطني، لكي يتحول سوق الكويت للأوراق المالية إلى سوق مؤسسي منظم وعصري يتناسب مع طموح تحويل البلد إلى مركز مالي عالمي، وليحفظ أيضاً حقوق الجميع ويساويهم أمام القانون دون تمييز أو فرق بين الهوامير والزوري!* * *الزميل الكبير والطير المهاجر عبداللطيف الدعيج شرَّق وغرَّب بنا في مقالته أمس، وأقحم افتتاحيات «الجريدة» الأخيرة بشأن حماية الوحدة الوطنية ووأد الجدل المذهبي المستعر في البلد، في مؤامرة افتراضية ضد الحريات تشارك فيها «الجريدة»!... أنا لا ألوم الدعيج لأن بُعد المسافة وأجواء أخبار الإنترنت لا يعطيانه الإحساس بواقع ما يحدث في البلد، وما يدور في الشارع الكويتي من أحداث وهموم وما يستشعره المواطن من مخاطر، ولكنني أعتب على إدارة تحرير الزميلة «القبس» التي سمحت له أن يوجه مثل هذا الاتهام الكبير دون أن توضح له حقيقة ما يحدث على أرض الواقع في بلده الكويت، وألا تنبه كما تفعل غالبا عندما يتعرض لأحد الأقطاب السياسيين العَصي على التناول أو النقد على صفحاتها.