بوركت يا وطني الكويت لنا*


نشر في 27-04-2011
آخر تحديث 27-04-2011 | 00:01
 أحمد عيسى الكويت دولة ضاربة العمق ثقافياً، ووجودها وهويتها مستمدان من إرثها الحضاري وجزء منه متعلق بالفن، فالمجتمع الكويتي جسّد انفتاحه على الآخر باحتوائه فنون البحر والبر، ومجتمعات أخرى ارتبط بها تجارياً وإنسانياً كالهند والعراق واليمن ومصر وزنجبار، وتأثيرات تداخل الحضارات جلية في الأغنية الكويتية لحناً وكلمات.

شهدت الكويت خلال الشهر الجاري جملة أنشطة أعادت إلى المشهد الثقافي رونقه بعد خمول شهدته الساحة؛ سببه تقاعس الدولة من جهة وإحكام التيار الديني سيطرته على المجتمع.

وأتى على رأس المشهد تقدير سمو أمير البلاد للموسيقار إبراهيم الصولة والشاعر أحمد العدواني وتقليدهما وسام الكويت ذا الرصعة من الدرجة الممتازة، تقديراً لدورهما في تلحين وتأليف النشيد الوطني لدولة الكويت، وبعدها أمر سمو الأمير ابتعاث عدد من الفنانين للعلاج بالخارج على نفقة الدولة.

وكان من بين الأنشطة، الجهد الملموس للمعهد العالي للفنون الموسيقية بقيادة عميده الدكتور سليمان الديكان الذي أقام الأسبوع الماضي منتدى السيمفوني الدولي الأول، وقدمت خلاله فرقة أحمد باقر أعمالاً عدة أعادت إلى المعهد أيامه الجميلة التي خرّجت فنانين، ورفدت الفن الكويتي بروائع لاتزال خالدة بيننا، وكان أكثرها وداً استحضار أعمال الموسيقار أحمد باقر والفنانة الراحلة رابحة ومرزوق المرزوق، كما شهدت إحدى الأمسيات مزاوجة بين الموشحات الأندلسية ومسرحية ممتعة أداها طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية بإشراف عميدهم الدكتور فهد السليم.

والتقى كذلك أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب علي اليوحة عدداً من المهتمين بالمجال الفني والثقافي بجمعية الخريجين، إذ استمع منهم لآرائهم وقدم رؤاه لعمل المجلس خلال الفترة المقبلة، جسدت اهتمامه بأن يقدم شيئاً مختلفاً خلال توليه منصبه.

الكويت دولة ضاربة العمق ثقافياً، ووجودها وهويتها مستمدان من إرثها الحضاري وجزء منه متعلق بالفن، فالمجتمع الكويتي جسّد انفتاحه على الآخر باحتوائه فنون البحر والبر، ومجتمعات أخرى ارتبط بها تجارياً وإنسانياً كالهند والعراق واليمن ومصر وزنجبار، وتأثيرات تداخل الحضارات جلية في الأغنية الكويتية لحناً وكلمات.

الكويت احتضنت عمالقة الفن العربي والثقافة، منهم الشهيد ناجي العلي والشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي استلهم خالدته «أنشودة المطر» حينما صاح بالخليج من أمام المستشفى الأميري:

«يا خليج يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردى»

فيرجع الصدى كأنّهُ النشيج:

«يا خليج: يا واهب المحار والردى»

وعلى ذات الضفاف لخص محمد الفايز معاناة الغوص بمذكرات بحار التي وثقها محمد السنعوسي وشادي الخليج وغنام الديكان حينما «أعادوا للدنيا حديث السندباد»، هذه هي الكويت الحقيقية، كويت الإنسان لا النفط والعمران، الكويت التي تحتوي ولا تُحتوى، كويت التنوير والفكر والثقافة قبل سيطرة التيار الديني والقوى التي دعمته وتحالفت معه على حساب هوية الوطن، لنبلغ ما بلغناه من تردٍ وانحدار.

الأيام الماضية، رغم ضعف الإمكانات، أبت إلا أن تعكس وجه الكويت الحقيقي الخالي من السياسة والدينيين، فعشناها بهدوء بفضل شبابها وبعيداً عن صخب من يريدون اختطاف البلاد وتجييرها لمصلحتهم، فكانت رحلة داخل كويت ما قبل التيار الديني وقوى التخلف، الكويت الجميلة التي وصفها الراحل أحمد العدواني بنشيده:

بوركت يا وطني الكويت لنا

سكنا وعشت على المدى وطنا

يفديك حر في حماك بنى

صرح الحياة بأكرم الأيدي.

* شطر من النشيد الوطني الكويتي للشاعر أحمد العدواني

back to top