كانت الثورة المصرية فريدة في أمور كثيرة، كما أقر الجميع، ومن الصفات التي انفردت بها أنها كانت علنية األحداث، فالكل تابع تطوراتها منذ بدايتها ساعة بساعة على الفضائيات مباشرة إلى درجة أن أطلق عليها "ثورة على الهواء"، وعلى الرغم من ذلك هناك من يحاول الحديث عنها وكأنها غيبية، أو أننا ال نعرف ماذا حدث أو ننتظره ليصف ما لم نشاهده ويفسر ما ال نفهمه. والبعض من هؤالء يتحدثون بحسن نية وطيبة قلب– كما نقول في مصر- واآلخرون يتعمدون دس السم في العسل لإلساءة إلى الثورة وشبابها، ومن ثم إلى مصر ذاتها يحركهم حقد دفين- ال أعرف سببه- ضد مصر. يصر البعض على تشبيه الثورة المصرية بالفرنسية وال يخفى على القارئ أن الثورة الفرنسية هي أطول الثورات في التاريخ )1799-1789( وأكثرها دموية على اإلطالق، ففي اليوم األول لها )1989/7/14( تم اقتحام سجن "الباستيل" وذبح مدير السجن ورجال األمن وتعليق رؤوسهم فوق العصي، وفي عدة أيام فقط في 1791 تم إعدام 1600 من رجال الملك، وتم إعدام الملك ذاته وزوجته في يناير 1793، فأين كل هذا من الثورة المصرية؟ وأين كل هذه الدماء من ثورة لم يجرح فيها فرد واحد من رجال النظام الفاسد؟! وأين كل هذا القتل واإلعدام من ثورة لم يتم حبس أي شخص إال احتياطيا ولمدة 15 يوما وبعد تحقيقات مطولة؟! الكثير والكثير من المقارنات يجريها البعض في خياله، ويصر عليها من أجل تشويه وتشبيه الثورة المصرية بالفرنسية، فهل يتم هذا بحسن نية؟ أم لهدف آخر؟ وما هو؟ البعض اآلخر يتحدث عن الثورة من الجانب االقتصادي، ويسهب في الحديث حول اآلثار السلبية للثورة، وأنها دمرت االقتصاد المصري )وكأنه لم يكن مسروقا ومنهوبا من قبل( وقضت عليه، وهؤالء أغلبهم رجال أعمال وحوارييهم من الذين كان النظام والرئيس المصري السابق بالنسبة إليهم "كالبقرة الحلوب"، كلما رضعوا منها ازدادوا نهما وجشعا، فأخذوا ما أرادوا من األراضي المصرية– بمساعدة النظام السابق- "بالمالليم" ليربحوا الماليين. ال ينكر أحد التأثير المتبادل والخطير بين السياسة واالقتصاد، ولكن لكل شيء حدود، و"قليل من العقل ميضرش"، فهل من الممكن أن تقوم ثورة تطيح بنظام فاسد استمر أكثر من 30 عاما دون أن يتأثر االقتصاد؟! وهل يمكن أن يتوقع أحد ذلك؟ لألسف بعض رجال األعمال مازالوا غير مصدقين ما حدث، ومازال األلم يعتصرهم من انهيار أحالمهم في استمرار استغالل واستدرار البقرة الحلوب، ولكن هل يكون نهاية حلم أفراد سببا للهجوم على ثورة شعب وضمير أمة؟ "رأس المال جبان" نعم، ويسعى إلى الربح في أي زمان ومكان، ولكن الثورة لم تصادر أمالك أحد، أعادت فقط الحق إلى أصحابه، فهل في إعادة تقدير قيمة األرض– مثال- ما يغضبكم؟ أو رفض بعض المشاريع غير الوطنية ما يزعجكم؟ بالتأكيد رجال األعمال الصادقون والشرفاء ال يغضبون، فلماذا إذن الهجوم على الثورة ومحاولة إدانتها بالكذب مرة والغش مرات؟
***التعتيم اإلعالمي الخليجي الكامل لألحداث في البحرين يثبت أن السياسة اإلعالمية الخليجية لم تستوعب بعد دروس "الفيس بوك" و"التويتر" في متابعة األخبار، كما أنه يفسح المجال تماما للطرف اآلخر لقول ما يريد، فهل فتحتم الباب قليال وسمحتم بنشر ولو النزر اليسير لتتضح األمور أكثر؟***ال لالنتقام والشماتة والتشفي، نعم لبناء مصر الجديدة، مصر العدالة والحرية، مصر الواجب والمسؤولية، مصر األمان والديمقراطي
مقالات
الثورة المصرية بين حسن النية وشر البلية
29-04-2011