يبدو أن لنا طريقتنا الخاصة في الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، فقد جاءت أحداث الثامن من ديسمبر قبل يومين فقط من الذكرى السنوية التي يحييها العالم عن طريق إنجازات جديدة في المجال الحقوقي. إلا أننا وعلى عكس البشر قررت قواتنا المظفرة ضرب مواطنين عزل دون مبرر ولا مسوغ قانوني، والتمادي بذلك بسحب أستاذ جامعي هو د. عبيد الوسمي وإشباعه ضرباً على رؤوس الأشهاد، ومن ثم إضفاء ما شاء لهم من مبررات أمنية.

Ad

لقد عشنا من العمر ما يكفينا لندرك أن مثل تلك الأحداث والتجاوزات المستمرة التي تقوم بها الحكومة هي أمور تتكرر وإن بدرجات مختلفة.

ففي يوم الاثنين الثامن من يناير 1990، وبعد أن تمت محاصرة كل المداخل لديوانية النائب السابق أحمد شريعان في منطقة الجهراء، وبعد أن جرى الاعتداء جسدياً على بعض المواطنين وهم يحاولون الوصول إلى الديوانية، وكان على رأسهم النائب السابق محمد الرشيد، رحمه الله، وتصاعدت وتيرة الاحتقان في الأجواء المحيطة، فكان أن جرى الحديث مع قائد القوات حينذاك الأسير الشهيد يوسف ثنيان المشاري، فما كان منه إلا أن سمح للنائب أحمد السعدون باستخدام ميكروفون سيارة الشرطة لتهدئة الحشود المجتمعة، ولم يخل كلام السعدون من نقد لبعض سلوكيات الشرطة المتعسفة. وقد أدى ذلك الأمر إلى التهدئة وبدأ الناس مغادرة المكان، وبعد يومين عدنا إلى نفس المكان، ولكن ضمن موكب سيارات بعد خروج أحمد شريعان من مخفر الفيحاء حتى الجهراء، ولذلك حديث يطول، فرحمة الله عليك يا أبا يعقوب فقد كان تصرفك عين الحكمة.

جرت تلك الأحداث في زمن لم يكن فيه وجود لمجلس أمة، فكان قد تم حله من 1986، كما تم تعليق عدد من مواد الدستور، وكانت الحكومة حينها مطلقة التصرف، لا بل إنها أعلنت أنه لا عودة لمجلس الأمة بالمطلق، وكانت حالة الاحتقان الشعبي قد تجاوزت بمراحل ما يجري الآن فهل كان لاستخدام العنف ما يبرره؟ وهل تصرفت أجهزة الأمن باستخدام العنف بناء على مسوغ قانون؟ الإجابة هل بالنفي في الحالتين.

إن استخدام العنف بغيض، كريه، مرفوض، لا يتسق مع مكونات المجتمع سواء كان ذلك العنف مستخدماً ضد شخص كالمواطن محمد جويهل أو كان من قبل رجال الأمن، بل إن مسؤولية رجل الأمن هي أكبر، وانضباطيته وعدم استفزازه هي المفترضة، ولكن ما شاهدناه كان خلاف ذلك، ما يستدعي جدياً إجراء تحقيق مستقل بما جرى.

أما الطريقة التي تم فيها عرض المؤتمر الصحافي بحضور عدد من قيادات الداخلية العليا، ففيها ما يوحي بأن هناك اتجاهاً نحو عسكرة الدولة، فلو كانت تلك القيادات قد اكتفت بشرح وتبرير وحتى تلبيس الأحداث لكان ذلك أمراً عادياً، أما أن يتحول ذلك المؤتمر إلى حالة تنظير سياسي وقانوني وشرح لأحداث تاريخية فهو أمر يوحي بفشل الجهاز السياسي للدولة وهو الحكومة وإقحام رجال الأمن في مسألة لا يفترض أن تتم بهذه الصورة، فإقحام رجال الأمن في الشأن السياسي بهذا الشكل يضيع السياسة ويضيع الأمن ولا حول ولا قوة إلا بالله.