إن الوضع القائم يبين بوضوح أن مؤسسات الدولة الدستورية هي أقرب ما تكون إلى مؤسسات هواة وليست هيئات محترفة, فالوزراء والنواب بشكل عام يأتون من خلفيات تنقصها الخبرة السياسية أصلاً, والأفضل حالاً من بين هؤلاء من تفرزه التنظيمات السياسية التي بدأت تتراجع بدورها في السباق السياسي.

Ad

الكل يترقب دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمة خصوصاً في ظل الأجواء المكهربة، وبعد صيف طويل وحافل بالإثارة والتعبئة النفسية على ألحان الطائفية والقبلية والفئوية, فالتراشق النيابي والندوات التحريضية من جهة، والبرامج الإعلامية المنظمة لبعض القنوات من جهة ثانية لم تترك سوى الجراحات والرواسب الثقيلة على القلوب, ولذا يخشى أن تتحول قاعة عبدالله السالم إلى مسرح لاستكمال مثل هذه الاستعراضات من خلف ستار الحصانة البرلمانية هذه المرة!

وبالإضافة إلى النفوس المشحونة, فإن الكثير من القضايا المدرجة على جدول أعمال المجلس على درجة كبيرة من التباين والخلاف ليس بين الحكومة والمجلس إنما بين الكتل والمجاميع البرلمانية نفسها, ومن المحتمل جداً أن تشهد مناقشة الاقتراحات بقوانين بشأن المواضيع الخاصة بالقروض الاستهلاكية والحقوق الاجتماعية للمرأة وتمويل مشاريع التنمية وغرفة التجارة والتأمين الصحي وزيادة سقف الراتب التقاعدي مرافعات ساخنة جداً، وبسببها قد ترفع الجلسات أو تقاطعها الحكومة أو تخربها بعض الكتل النيابية.

ومن جهتها فإن تقارير اللجان البرلمانية المكلفة بالتحقيق في عدة قضايا، ومن بينها ارتفاع الأسعار، وتطبيق قوانين الرياضة، والإفراج عن المتهمين الإيرانيين، والصرف الصحي بمنطقة مشرف، وطوارئ الكهرباء، قد تضع الحكومة وبعض وزرائها في مأزق سياسي وسط تكهنات بتقديم استجوابات جديدة يمكن أن تطول عدة وزراء، ولربما سمو رئيس الحكومة من جديد.

ولنا أن نتخيل المشهد السياسي على ضوء هذه المعطيات الثلاثة المعقدة، خصوصا إذا اجتمعت معاً، وأضيفت عليها حقيقتان أخريان هما قصر مدة دور الانعقاد والجلسات القصيرة والمتباعدة من جهة، والقنوات البرلمانية واللائحية الطويلة لتمرير القوانين من جهة أخرى, ومن المؤكد أن كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى ضعف كبير في نتائج عمل المجلس في وقت تتعقد فيه المشاكل المزمنة، ويتطلع الناس إلى كثير من الإنجاز، خصوصاً في ظل وجود خطة خمسية للتنمية بتواريخ محددة سلفاً وببرامج معلنة وميزانية مهولة!

لذلك فإن الوضع القائم يبين بوضوح أن مؤسسات الدولة الدستورية هي أقرب ما تكون إلى مؤسسات هواة وليست هيئات محترفة، فالوزراء والنواب بشكل عام يأتون من خلفيات تنقصها الخبرة السياسية أصلاً، والأفضل حالاً من بين هؤلاء من تفرزه التنظيمات السياسية التي بدأت تتراجع بدورها في السباق السياسي، ولعل العدد الأكبر من النواب منهمكون في متابعة القضايا والمشاكل اليومية للمواطنين ويقضون معظم أوقاتهم إما في أروقة الوزارت والإدارات الحكومية، وإما في الواجبات الاجتماعية من زيارة الدواوين وحضور مناسبات الأفراح والأتراح، وما يتبقى لهم من وقت الفراغ يخصص للمشاركة في لجان المجلس وجلساته العامة!

ومثل هذا الوضع متأصل في التراث السياسي الكويتي، ولا يمكن تغييره بسهولة كونه مرتبطا باتجاهات الرأي العام ومتطلبات الدوائر الانتخابية, ولكن بالرغم من ذلك كله فإن المسؤولية تقتضي استثمار ما هو متاح لأداء أفضل وإنجاز أكبر، ولعل المدخل الذي من شأنه المساهمة في مثل هذا النجاح يكمن في زيادة عدد الجلسات ومدتها لعل وعسى أن يتفرغ الجميع للعمل السياسي ولو على سبيل الاحتراف الجزئي!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة