مع تنامي شكوك شتى الأطراف، يبدو أن المحادثات الأخيرة بشأن برنامج إيران النووي سيكون مصيرها الفشل حتى قبل أن تبصر النور... إذن، لمَ يتكبد الجميع عناء خوضها؟
أهم "الإيرانيون؟"، تردد هذا السؤال خلال المحادثات التي دارت بين مَن يؤمنون بنظريات المؤامرة في غرف الدردشة على الإنترنت في إسرائيل، فقد حاول هؤلاء تحديد المسؤول عن الانقطاع الشديد في شبكة الهاتف المحمول، الذي عطّل هواتف ملايين الإسرائيليين في الأول من ديسمبر.دام هذا الانقطاع نحو 12 ساعة وحال دون استخدام 3.3 ملايين مشترك في شركة Cellcom (يمثلون أكثر من 40% من سكان إسرائيل) هواتفهم الخليوية. بعد يوم من هذه الحادثة، لم تكن إدارة الشركة قد توصلت إلى سبب يبرر هذا العطل، مما فتح المجال أمام شتى النظريات والافتراضات. لكن إيران لم تكن المشتبه فيه الوحيد، فقد تساءل البعض عما إذا كان العطل ناجماً عن تجربة خرجت عن السيطرة كان يجريها الموساد، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، في حين ظن البعض الآخر أنه عمل تخريبي نفذه قراصنة أتراك.لكن اللافت للنظر السرعة التي تحولت فيها إيران إلى مشتبه فيه، ويعود ذلك في جزء منه إلى ارتباط اسم إيران في أذهان إسرائيليين كثر بالدعم العسكري والمالي الذي يتلقاه "حزب الله" و"حماس". لم تُعتبر إيران سابقاً قوة يُخشى منها في عالم الإنترنت والمعلوماتية، لكن أصابع الاتهام توجهت إلى إسرائيل حين تبين أن فيروس "دودة ستاكسنت" أصابت أنظمة الكمبيوتر في منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم. لذلك، افترض كثيرون أن انقطاع شبكة Cellcom ردٌ على ذلك.سيتبين على الأرجح أن انقطاع الشبكة ناجم عن عطل ما، لا عمل تخريبي، وأفادت التقارير أن مهندسي شركة "نوكيا" سيسافرون إلى إسرائيل للمشاركة في التحقيق، لكن هذه الحادثة، فضلاً عن تسريبات "ويكيليكس" الأخيرة، أظهرت أن الارتياب بإيران بلغ مستويات جديدة في إسرائيل.علاوة على ذلك، تنامت هذه الشكوك بسبب الحوادث الغريبة والمميتة التي وقعت أخيراً في إيران. فيوم الاثنين، نُفذت عمليتا اغتيال استهدفتا عالِمين نوويين إيرانيين في الشارع في وضح النهار. فلقي أحدهما حتفه، في حين تعرض الآخر لإصابات، لكن السلطات لم تعتقل أياً من المجرمين حتى اليوم، بمن فيهم سائق سيارة البيجو 206 الغامضة التي توقفت في موقع محاولة الاغتيال وأطلقت الشرطة عليها النار. أشارت تقارير إخبارية لاحقة أن السيارة انفجرت في الشهيد محلاتي، منطقة في طهران بناها حرس الثورة ويقطنها بعض الشخصيات البارزة في إيران، فضلاً عن داود شقيق محمود أحمدي نجاد.لكن الغريب أن وسائل الإعلام شبه الرسمية عينها سارعت إلى إنكار وقوع أي انفجار، ما أطلق موجة جديدة من نظريات المؤامرة بشأن عمليتي الاغتيال، هذه المرة بين الإيرانيين أنفسهم. غير أن الحكومة الإيرانية بدت واثقة من هوية المسؤول عن هاتين العمليتين: الموساد الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات البريطاني ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.لكن جو التوتر داخل إيران وخارجها لا يقتصر على دردشات الإنترنت، ففي مطلع الأسبوع المقبل، من المقرر أن تلتقي إيران مجموعة "الخمسة زائد واحد" (البلدان الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن ألمانيا) لمناقشة برنامج إيران النووي.لم يسبق أن بلغت الشكوك بين هذين الطرفين حدّاً مماثلاً، ولا يسعنا إلا أن نتساءل عن الأسباب التي تدفع بهذه المجموعة إلى الجلوس إلى طاولة الحوار، مع أن إيران ذكرت أنها لن تقدم للغرب أي تسويات.ولا شك أن إيرانيين كثراً يطرحون أيضاً تساؤلات مشابهة بشأن قيادتهم، فلمَ يخوض القادة الإيرانيون هذه المفاوضات، في حين أنهم تعرضوا للإهانة من الغرب مرتين قبل انطلاق المحادثات؟ جاءت الإهانة الأولى عندما رفضت مجموعة "الخمسة زائد واحد" عقد المفاوضات في إسطنبول، خيار إيران المفضل (وقع الخيار على جنيف). أما الإهانة الثانية في رأي الإيرانيين، فكانت حين رفضت الليدي كاثرين آشتون، الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الإجابة عن الأسئلة الثلاثة التي طرحها سعيد جليلي، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، قبل البدء بالمفاوضات. تناولت هذه الأسئلة مقاربة الغرب إلى المحادثات، فضلاً عن نظرته إلى الترسانة النووية الإسرائيلية.لابد من أن عائلتي العالِم النووي مجيد شهرياري، الذي قُتل، وزميله المصاب فريدون عباسي دافاني، فضلاً عن عدد كبير من العلماء النوويين الآخرين، ترغبان في سؤال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي: لمَ تقبل إيران بالجلوس إلى الطاولة والتفاوض مع دول اتهمتها لتوها بالضلوع في عمليتي اغتيال على الأراضي الإيرانية؟تُظهر الوقائع أن إيران ومجموعة "الخمسة زائد واحد" ستشاركان في المفاوضات لأنها جزء أساسي من السياسات المزدوجة المسار، التي تعتمدها كل منهما في تعاملها مع الأخرى، فمن دون هذه المقاربة، تنهار استراتيجياتهما.تشمل المقاربة الإيرانية المزدوجة المسار قناة دبلوماسية تتيح لها خوض مفاوضات مباشرة مع مجموعة "الخمسة زائد واحد"، داعمةً في الوقت عينه أعداء الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، في أماكن مثل العراق وأفغانستان ولبنان. وتأمل إيران أن تُرغم هذه المقاربة المزدوجة الغرب في النهاية على القبول بشروطها.لكن الغرب يعتمد أيضاً استراتيجية مزدوجة. فمع أن هذه المحادثات تبدو عقيمة حتى قبل أن تبصر النور، فمن الضروري إبقاؤها حية لأنها تزود إيران بقناة يمكنها من خلالها الجلوس إلى طاولة المفاوضات. أما المسار الثاني الذي يتبعه الغرب، فيستند إلى عقوبات يأمل من خلالها إرغام إيران على الانصياع لطلباته بشأن برنامجها النووي.ومع تطبيق هذين الطرفين مقاربات مزدوجة إنما متضاربة، سيكون النصر في النهاية لمن يتحلى بزخم أكبر.تسعى إيران على الأمد القصير إلى تطوير قنبلة نووية، وإذا استطاعت الحفاظ على الوضع القائم راهناً، يبدو أنها قد تنجح في تحقيق مأربها.لكن هذا الهدف القصير الأمد قد لا يتلاءم مع غاياتها الطويلة الأمد، خصوصاً ضمان استمرارية النظام الإيراني خلال العقود المقبلة، فيظهر التاريخ أن الأمم والإمبراطوريات تعزز قدرتها على الاستمرار بتطويرها اقتصاداً قوياً، ولا تشكل الأسلحة النووية ضماناً للاستمرارية أو حلاً لأي مشكلة قد تعيقها.يكفي التأمل في مثال الاتحاد السوفياتي، فعند التأمل في هذا المثال، ندرك بوضوح أن الوضع الراهن الذي تسعى إيران اليوم جاهدة للحفاظ عليه قد يؤدي على الأمد البعيد إلى الحد من احتمال استمرار هذا النظام.* مير جافدانفار | Meir Javedanfar
مقالات
إيران ومجموعة (5+1)... تضارب المسار المزدوج
07-12-2010