منذ أن وضعت الثورة المصرية عصاها، حملتُ عصاي ورحت أتابع تساقط أحجار النظام، فقرأت كل كحّة وعطسة كُتبت عن المستفز الأكبر تاجر النظام أحمد عز، الذي أثرى من أموال الدولة إلى أن ترهل حسابه، وحبيب العادلي وزير داخلية حسني مبارك (لم أقل وزير داخلية مصر)، الذي سرق كرامة الناس وآدميتهم، والذي ظنّ الناس في عهده أن من إجراءات دخول المخفر أن تتهزأ وتتخوزق ويتم تصويرك ورزعك على قفاك.

Ad

ويوم أمس الأول شاهدت لقطة اقتيادهما إلى سجن طرة، ومعهما "جرانة" و"المغربي"، لصّا الأراضي والـ"بي أو تي"، وما إن دخل الأربعة إلى السجن حتى انهار "عز" باكياً وأصابه الذهول فجثا على ركبتيه منهاراً، في حين أطرق كل من جرانة والمغربي ولم يرفعا عيونهما عن الأرض وهما "يتماثلان" للبكاء، أما العادلي الذي بدا متماسكاً، فقد استقبله المساجين بأغنية تليق بمقامه: "يا حلوة يا بلحة يا مقمّعة... شرفتي اخواتك الأربعة"، على وقع صوت الرصاص الذي كان يطلقه عساكر السجن ابتهاجاً برؤيته مكبلاً بخزيه.

والأنظمة الديكتاتورية تتعمد تعيين أحقر الناس وأكثرهم سادية وجشعاً في منصب وزير الداخلية، تحديداً في منصب وزير الداخلية، الذي هو هراوة النظام على رؤوس شعبه، بحيث يكون الوزير هذا مستعداً لتقبيل الأيادي، وتسريب الوثائق، وتقريب السفلة، وتعذيب الناس وإهانتهم، في سبيل البقاء على قيد المنصب، فهو ذليل أمام رؤسائه، متغطرس أمام مرؤوسيه وأمام البسطاء... ويمكن معرفة رغبة الدولة، أي دولة، في احترام مواطنيها أو إهانتهم من خلال التركيز على وزير الداخلية وتصرفاته، كأحد أهم المؤشرات.

وتنتشر الجريمة في الدول المحكومة بأنظمة ديكتاتورية بشكل مريع، ليش؟ لأن الوزير الحقير لا وقت لديه للحفاظ على الأمن، فجهوده كلها مركزة على خدمة أسياده رموز النظام ليرضوا عنه فيتفرغ هو لنفخ بالون ثروته وتقوية قبضته.

والسوالف تجر السوالف، والشيء بالشيء يَقهر، ولا بارك الله في من ترك "قضية البدون" في الكويت تكبر وتكبر حتى لم يعد الباب يسعها، ولا أدري كيف كانت حكوماتنا المتعاقبة تفكر وهي تشاهد "أزهار" البدون يكبرون وينمون فيتعرضون للعواصف والرياح فينبت لهم شوك الغضب والحقد، وهم معذورون.

هل المطلوب اليوم أن ندافع عن الحكومة وهي الظالم أم ندافع عن المظلوم؟ هل تعتقد الحكومة أن الأمر مجرد لعبة و"تسلاية"، على رأي اللبنانيين، وأن المظلومين البدون سينزعون عن أجسادهم مشاعرهم كي ترضى الحكومة عنهم، ويقبلون الحياة التي تأنف منها حتى الحيوانات؟ ما الذي تنتظره الحكومة بلجانها التي هي مثل ليالي الشتاء، طويلة وباردة، لتفعّل القوانين التي وضعتها بنفسها، فتجنّس المستحق وتحترم إنسانية غير المستحق.

وقد قيل: "الشجاع من يواجه الصعاب" وقضية البدون ليست من الصعاب، لكنها في عين حكومتنا أصعب الصعاب. ولا حول ولا قوة إلا بالله.