الاعتداءات الجسدية بين المواطنين أو المقيمين تحدث بشكل يومي، وسجل الحالات بمخافر الدولة زاخر بهذا النوع من القضايا التي أصبحت أمراً عادياً في المجتمع، بل الغريب أن يمر يوم دون وقوع مشاجرة أو اعتداء بالضرب.

Ad

في تاريخ 5 أغسطس نشرت "الجريدة" خبراً عنوانه "بنغلادشي يطعن مصرياً في ظهره ويهرب"، ومَثَلُه كمَثَل كثير من الأخبار الأمنية المحببة لفئة كبيرة من القراء، لكن هذا الخبر تحديداً كشف عن حرب عصابات بين الجاليتين المصرية والبنغلادشية تدور رحاها في الكويت! وتعدّى الخبر حجمه الصغير ليشكل فتيل أزمة قادمة بين البنغلادشيين والمصريين في سوق السمك بمنطقة الشرق.

في اليوم التالي لنشر الخبر، زار مقر "الجريدة" الصياد المصري أحمد خوجه، وعرف عن نفسه بأنه  صديق المصري المطعون، وعبر في الوقت ذاته عن استيائه وجميع المصريين في سوق السمك من عنوان الخبر ونصه، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بقوله إن الخبر غير صحيح جملة وتفصيلاً، ولمّا  طلبنا منه الحقيقة كما رآها، قال خوجه إن مجموعة من المواطنين تعدّت على زميله ولاذت بالفرار، وأُحيلت القضية إلى المخفر، لكن واسطات وتدخلات كثيرة أتتهم للتنازل عن القضية.

واستمر خوجه في حديثه بنبرة يملؤها الغضب "ازاي بنغالي يضرب مصري!؟ دي متحصلش"، واستكمل تعبيره بالشعور عن غضبه "البنغال دلوقتي يمشوا بسوق السمك ويضحكوا علينا والخبر لازم يتعدل وتكتبوا أن "الكوايته" هم اللي ضربوا المصري موش ممكن بنغالي يضرب مصري"، وبعد دقائق من تهدئة  أعصابه، وعدناه بتصحيح الخبر "عشان إخوانا المصريين في سوق السمك ما يزعلوش" بعد التأكد من المصادر الأمنية، فنحن نبحث عن الحقيقة لا الإثارة.

وبعدئذٍ انتقل الحديث إلى سوق السمك وأسعار الزبيدي والميد والروبيان، فأوضح لنا خوجه أن البنغلادشيين دخلوا سوق السمك ودمروه، واستمر في شرح معاناتهم مع البنغال.

انتهى اللقاء... وانتهى اليوم.

في اليوم التالي، وصلت إلى "الجريدة" رسالة من السفارة البنغلادشية جاء فيها: "قمنا بزيارة لسوق السمك بشرق، وتحدثنا إلى بعض الأشخاص العاملين في ذلك السوق، كما قمنا بالتحدث إلى مسؤولي مخفر شرق، ونتيجة لزيارتنا وتعاملنا مع الأشخاص المعنيين كان من الواضح أنه لم يكن لأي مواطن بنغلادشي علاقة بالخبر المنشور في جريدتكم، وأن الحادث كان مقصوراً على مواطن مصري وبعض المواطنين المحليين".

وأضافت: "كما هو واضح فإن جريدتكم قد جانبها الصواب في الخبر المنشور في جريدتكم الموقرة بتاريخ 2010/8/5م، وإنه لا أساس له من الصحة، ونتيجة للخبر المسبب للصدمة فقد تسبب بأذى كبير وأثر في نفوس أفراد الجالية البنغلادشية المحبين للسلام، وخصوصاً أولئك العاملين في سوق السمك في شرق"، وقالت: "نعتقد كذلك أن خبراً كهذا يشوه ويلطخ سمعة المواطنين البنغلادشيين بدولة الكويت، ويخلق سوء فهم بين مختلف الجنسيات العاملة في دولة الكويت"، مضيفة: "كما نود أن نذكر أن الجالية البنغلادشية لها تاريخ طويل في التعايش السلمي والتعامل مع إخوانهم من مختلف الجنسيات بدولة الكويت". وأكدت أنه "عليه، فإننا نرجو الجريدة الموقرة التكرم بنشر تفنيد للخبر (الخطأ المطبعي) فوراً، موضحة  فيه عدم تورط أي شخص بنغلادشي في حادث طعن المواطن المصري في سوق سمك شرق".

بعد قراءة رد السفارة البنغلادشية، ازدادت القضية غموضاً وتشويقاً! فكيف تسبب الخبر في أذى كبير للجالية البنغلادشية "المحبة للسلام" وأخبار تلك الجالية تحديداً لا تكاد تفارق الصحف!

بعد الإتاحة المطلقة للسفارة البنغلادشية الصديقة للرد على خبر "الجريدة" وصديق المصري المطعون، من منطلق إيمانها بحرية التعبير، والأمانة الصحفية، تقول "الجريدة" إن "هذه الحادثة وقعت في يوم 4 أغسطس الماضي في سوق شرق، إذ تقدم المجني عليه إلى مخفر شرق وسجل قضية حملت رقم 2010/57، واتهم فيها بنغالياً وأشخاصاً آخرين لا يعرفهم بطعنه في ظهره والهرب من المكان، وهذا الاتهام لم يأت عبثاً، إذ تعود أحداثه إلى أسبوع قبل هذه الواقعة، إذ ضرب مصري بنغالياً في سوق السمك، ودخل مستشفى الأميري لتلقي العلاج بسبب الإصابات البليغة التي تعرض لها، ثم اعتدى بنغالي آخر على نفس المصري".

وإضافة إلى ذلك "فإن هذا الاتهام لم يوجَّه إلى بنغالي محدد، بل كان البلاغ عن عدة أشخاص من بينهم آسيوي، وحدد المشتكي أن المعتدي بنغالي ولكن لا يعرفه، وسجل قضية ضد مجهولين".

هذه قصة سوق السمك في الكويت... حرب جاليات ولا نعرف المدى الذي يمكن أن تبلغه في المستقبل إذا لم يتحرك المسؤولون حتى لا تتكرر أحداث خيطان الماضية.