باسمة العنزي منحازة إلى الهم الإنساني


نشر في 05-10-2010
آخر تحديث 05-10-2010 | 00:00
 طالب الرفاعي عنوان العمل الأدبي عنصر مهم من عناصر النص، وحامل مضيء ودال لرسالة النص الأعم، إضافة إلى أنه يشكّل علاقة النص الأولى بالقارئ، لذا فإن بعض العناوين تحضر في الذهن سابقة لاسم مؤلفها. من هنا يمكن القول، إن عنوان المجموعة القصصية الأخيرة للكاتبة باسمة العنزي «يُغلقُ البابُ على ضجرٍ» يحمل أكثر من دلالة، فانغلاق الباب ووصده على ما بداخله سواء كان ستراً أو مداراةً هو فعل لا يبين العنوان عن فاعله، كما أن العنوان يعلن صراحةً أن الضجر هو الحاضر الأهم في الداخل. وإذا ما عُلم بأن العنوان يُعبر عن التوجّه العام للمجموعة، ولا يعود على قصة بعينها، فإن ذلك يجعل العنوان أكثر إيحاءً، ويؤكد أكثر قصديةَ رسالته.

تقدم باسمة العنزي في مجموعتها الصادرة عن دار الفارابي، بالتعاون مع دار الفراشة الكويتية، 2010، قصص بيوت «الحي البعيد القابع على جانب الخط السريع»، ويبدو انشغال باسمة بالعناوين جلياً على طول المجموعة، فهي تعنون كل قصة برقم البيت، وتعطيها عنواناً أولياً، ثم تعود فتسم القصة بعنوانٍ خاصٍ (منزل 20، جنيّةُ فرحٍ، حصةُ النائية). في حين أن العنزي خطّت لمجموعتها مقدمة عنونتها بـ»البيوت الدامعة... تطوي تاريخها»، وضمنت المقدمة رسالة تقول إن قصص المجموعة تدور في بيوت ذلك الحي البعيد، وإن «فتاة مغمورة»، من سكان الحي «قذفت نرد السؤال على طاولة التخمين مدونة بعض ما تعرفه عن جيرانها» ص12. ولا أدري سبباً يجعل باسمة تنأى بمجموعتها عن التصريح بواقعية المكان، خاصة أن قصص المجموعة تدور في أجواء كويتية واضحة ومعلومة، حاملةً وجعاً اجتماعياً يخصّ الكويت وأهلها دون غيرهم.

تدور قصص المجموعة في فلك الهم الاجتماعي الإنساني، والمعاناة النسوية على وجه الخصوص. ويأتي صوت المرأة المضطهدة والمقموعة، ليكون الصوت الأهم في المجموعة، وبما يقدم صوراً مؤلمة لواقع ومعيشة المرأة في المجتمع الكويتي. صوراً تخوض في طين الواقع اليومي المعاش، بعيدة عن تزويق الحقيقة. صوراً تختار بطلاتها وأبطالها من خلف أبواب البيوت النائية، بيوت يشكل الوجع والمعاناة زاد يومها. ويُحسب لباسمة العنزي انحيازها الكامل إلى قول الحقيقة ومعاناة بنات جنسها من جهة، وانحيازها إلى الهم الإنساني من جهة ثانية.

قدمت المجموعة قصصاً للمرأة في مختلف مراحل عمرها، وجاءت هذه القصص عبر صوت الراوي العليم، بصيغة ضمير الغائب، وكانت نبرة الألم - الضجر سائدة على أجواء كل تلك القصص، بما في ذلك القصص التي تناولت أحوالاً رجالية. فقسوة المجتمع العائلي القبلي، والتفاوت والظلم الطبقي يلحق بالمرأة والرجل، لا يكاد يفرق بينهما، لكنه يمسّ المرأة ويمضّ في لحم حياتها أكثر من الرجل.

إن قراءة فاحصة لقصص المجموعة، تظهر أن المؤلفة أرادت لضم قصصها في سياق واحد متصل، واختارت الحي ميداناً ومكاناً واقعياً لأحداثها، كما أن وصل حدث قصة بحدث قصة أخرى، يؤكد وحدة المكان وصلة الحدث والشخصيات. واجتماع هذا يُظهر نفساً روائياً لدى القاصة، يجعلنا نترقب منها عملاً روائياً قادماً.

باسمة العنزي كاتبة شابة تعمل بدأب وإخلاص، حاصلة على جائزة الدولة التشجيعية للقصة القصيرة عام 2007 عن مجموعتها «حياة صغيرة خالية من الأحداث»، وهي في مجموعتها الجديدة إنما تؤكد موهبتها القصصية، وحضورها المتجدد على ساحة أصعب الأجناس الأدبية. 

back to top