صورة نادرة من صور التسامح الديني تتجلى في إحدى الضواحي القريبة من مدينة "ممفيس" في ولاية "تينيسي" الأميركية، وهي صورة لمسلمين يصلون جماعة في بهو كنيسة، وهي كنيسة "هارت سونغ" المجاورة لمركز "ممفيس الإسلامي" الذي لم تكن أعمال بنائه قد انتهت بعد حين حل شهر رمضان، فرحَّبت الكنيسة بالمسلمين وسمح المسيحيون لجيرانهم المسلمين بالصلاة في كنيستهم طوال الشهر.

Ad

يأتي اليوم رفض المجلس البلدي طلبَ وزارة الخارجية تخصيص موقع لكنيسة في "المهبولة"، ليجسد الوجه الآخر من تلك الصورة المشرقة، وهو باختصار الغلو الديني واللاتسامح الذي غزا الكويت في السنوات الأخيرة... والعجيب أن الكويت تفتتح وتدعم مسجد "السلام" في زيوريخ في سويسرا، وتنشئ مركز "الوسطية" في مدينة مانشستر البريطانية، وتؤسس مشروع تدريب الأئمة، وفي الوقت نفسه ترفض في عقر دارها أن توسع الكنائس التي ضاقت بالمصلين أو أن تبني دور عبادة! ولو كانت الحكومة جادة في ذلك لأحالت تلك القضية (والكثير غيرها من قضايا الحريات) إلى المحكمة الدستورية.

السؤال لماذا نرى قضايا الحريات حقاً لنا في بلادهم وننكرها على الآخرين في بلادنا؟ لماذا يملأ الوعاظ والغلاة الدنيا ضجيجاً لقضايا هامشية ويدعون سوء معاملة الغرب للمسلمين، ويتناسون ما يحصل من ظلم للأقليات في بلادهم كحرمان غير المسلمين من حق التجنيس وتقييد حرياتهم الدينية، بينما يندمج الكثير من المواطنين المسلمين في المجتمعات الأوروبية والأميركية، ويتمتعون فيها بحقوق تكوين أحزاب ومؤسسات ومساجد ومكتبات ومدارس وأكاديميات، بل ويعتاش آلاف اللاجئين المسلمين (الهاربين من بطش أنظمتهم) من المساعدات المعيشية والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي وكل الخدمات التي تنفق عليهم من قبل دافعي الضرائب في تلك البلاد المتسامحة... وقد استخدم المتطرفون هذه المساحة الواسعة من الحريات، واستغلوا هذا التسامح اللامحدود في نشر خطاب الكراهية وروح العداء والعنف في المنابر والأماكن العامة، من خلال توزيع منشورات تكفر البلاد التي آوتهم وكانت ملاذهم الآمن، فحاربوا الحرية بسلاح الحرية، ليعيثوا في أرضها فساداً، والغريب أن وعاظنا وغلاتنا يستنكرون بعض ما تقوم به تلك الدول من تضييق على ساحاتهم الجهادية العلنية التي أسفرت عن تفجيرات في باريس في 1995، وفي أميركا في 2001، وفي بريطانيا في 2005.

لماذا يصر المغالون بعد ذلك على "حقهم" في بناء مسجد "قرطبة" بالقرب من مكان البرجين المنهارين (والذي بالمناسبة وافق عليه أغلبية أعضاء مجلس المدينة في مايو)، ولماذا يحول بعضهم معارضة سكان نيويورك لهذه الخطوة وكأنها رفض لمبدأ بناء المسجد بينما القضية هي مجرد اختيار مكان ملائم، متناسين أن في نيويورك وحدها أكثر من مئة مسجد... أما عدد المساجد في الولايات جميعها فيبلغ أكثر من 1200 مسجد، كما يوجد على سبيل الذكر لا الحصر، حوالي ألفي مسجد في بريطانيا، منها ألف على الأقل في لندن وحدها، أما في فرنسا فيصل عدد المساجد إلى أكثر من 1500 مسجد، بينما تحوي باريس وحدها أكثر من 400 مسجد.

سيتم الانتهاء من بناء أكبر مسجد في أوروبا في العام القادم في مدينة مرسيليا الفرنسية، الذي يتسع لسبعة آلاف مصلٍّ، وله مئذنة بطول 25 متراً، ويحوي مدرسة قرآنية ومكتبة، بينما تنكر أوطاننا على الآخرين حقهم الذي كفله الدستور المهدور! ومن ثم ندَّعي السلام والوسطية... ألا نخجل؟