«الهوشات» تحدث في كل زمان ومكان، فالناس مختلفون في طباعهم وأخلاقهم، فيهم المندفع، وفيهم المتروي، وفيهم العاقل، وفيهم المجنون، وفيهم الطائش، وفيهم الحليم، لذلك فـ«الهوشات» أمر طبيعي لا يمكن منعه، لكنه في الزمن الماضي كان يحدث ولا يسمع عنه إلا من حضروه ورأوه بأم أعينهم، أو من وصل خبره إليهم من الذين حضروه، وهم في كل الأحوال دائرة ضيقة، لذلك فحتى «الهوشات» الكبيرة تظل محصورة ويمكن حلها سريعاً بواسطة أهل الخير، أما «الهوشات» في هذه الأيام فحالما تحدث تصل إليك حتى لو كنت خارج البلاد بالصوت والصورة عن طريق «الموبايل» لتكبر الهوشة الصغيرة وتصبح معركة ويتنادى الناس من كل طرف يتوعدون ويهددون حتى قبل أن يعرفوا التفاصيل، وتكبر «الهوشة» ويمتنع على أهل الخير التوسط أو حلها.

Ad

داحس والغبراء، معركة تاريخية حدثت في أيام الجاهلية بسبب سباق للخيل، ودائماً ما يستشهد بها الناس على تفاهة عقول السابقين وعنجهيتهم، وغياب عقولهم، وعدم بعد نظرهم وعنادهم وركوب رؤوسهم، وها هي داحس والغبراء تعود إلينا صناعة كويتية بسبب «هجيج الإبل»، وبدأ شررها يتطاير في كل ناحية دون وعي ولا تفكير، وانطلقت أجهزة «الموبايل» تنشر البيانات والبيانات المضادة، والصورة القبيحة التي لا تدل إلا على الجهالة والخفة، وبدأت دعوات الفزعة، ونبرات التهديد تتوزع هنا وهناك وكأننا نعيد العصر الجاهلي في أسوأ صوره وحالاته.

إنه أمر محزن أن نعيش عصر الانفلات، فلا خشية من الله تشفع، ولا خوف من قانون يردع، وكل يشحذ سيفه، ويركب رأسه، فلا أحد يسمع لأحد ولا أحد يتنازل لأحد الكل يسعى لنفسه، أما الوطن فآخر من يفكر فيه، وأول من يتكسب منه.

***

التحاكم إلى القضاء في كل خلاف أمر جميل ولا غبار عليه، ودليل على رقي الشعوب واحتكامها إلى القانون ونزولها عند أحكامه، لكن الأجمل والأرقى محاولة فض النزاعات والخلافات عن طريق أهل الخير ومحاولة جمع الفرقاء والسعي بينهم بالصلح حتى تشيع بين الناس ثقافة التصالح والتنازل والتآلف، فتصفوا القلوب وتشيع المحبة بين الناس ويزيد الترابط بينهم.