ما قل ودل: محاكمات الثورة بين 25 يناير و 23 يوليو

نشر في 17-04-2011
آخر تحديث 17-04-2011 | 00:00
 المستشار شفيق إمام في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان «القاضي الطبيعي ومحاكمة شعبية في ميدان التحرير» قلت إن المحاكمة الشعبية التي جرت في «ميدان التحرير» للرئيس مبارك ونجليه برئاسة المستشار السابق محمود الخضيري يوم الجمعة 8/4/2011، هي منحى جديد أرجو ألا يكون مقدمة لإبعاد المحاكمات التي تُجرى لرموز الفساد عن القاضي الطبيعي بتشكيل محاكم استثنائية على غرار ما جرى في ثورة 23 يوليو 1952، لأن لكل ثورة ظروفها وتحدياتها.

محاكمة عمال كفر الدوار

وهو ما يقتضي استعراض هذه المحاكم الاستثنائية والعقوبات التي كانت توقعها، بدءاً بمحاكمة عمال شركة «مصر للغزل والنسيج الرفيع» الذين قاموا عقب قيام ثورة 23 يوليو وفي 12 و13 أغسطس سنة 1952 بمظاهرات وإضراب، وإشعال النار في سيارات الشركة وإحراق مكاتبها ومهاجمة المصنع بقصد إتلافه، وقُدِّر عدد العمال الذين أثاروا الشغب بعشرة آلاف عامل، وقد حوكم من دبر لحوادث الشغب والتظاهرات والتخريب أمام محكمة عسكرية عليا قضت في 8 أغسطس 1952 بالإعدام على محمد مصطفى خميس وعلي محمد حسني البقري، ونُفِّذ فيهما حكم الإعدام بسجن الحضرة في الإسكندرية، وحُكِم على آخرين بالسجن والغرامة.

محكمة الغدر

كما شُكلت «محكمة الغدر» في 22/12/1952 وكانت أولى المحاكم التي شكلتها ثورة 23 يوليو، ولم تكن توقع سوى ثلاث عقوبات هي رد الأموال التي نُهبت من المال العام، والحرمان من الحقوق السياسية، ومن تولي الوظائف العامة.

مجلس قيادة الثورة بهيئة محكمة

كما حاكم مجلس قيادة الثورة في 10/1/1953، بعض ضباط الجيش والمدنيين ومنهم الوصي على العرش السابق، وهو أحد الضباط، الذي كانت الثورة تثق به، وقضى المجلس بسجنه سجناً مؤبداً وأُفرج عنه صحياً بعد ذلك، وبالسجن مدداً مختلفة على بقية المتهمين، وبراءة اثنين منهم.

محكمة الثورة

ثم شكل مجلس قيادة الثورة في 15 سبتمبر 1953 محكمة الثورة من أعضاء المجلس برئاسة عبداللطيف البغدادي، وعضوية أنور السادات وحسن الإبراهيم، التي قضت بإعدام ستة من المتهمين المحالين أمامها، نفذ الحكم في أربعة منهم شنقاً، وخُفف الحكم بالنسبة إلى اثنين.

وكان أغلب المتهمين أمامها متهمين بإفساد الحياة السياسية أو الاتصال بجهات أجنبية، وتراوحت العقوبات التي قضت بها على من أدانتهم بين الأشغال الشاقة المؤبدة والسجن المؤبد والأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن لمدد مختلفة.

ومن العقوبات التبعية التي وقعتها محكمة الثورة عليهم، مصادرة ما زاد من أموال المتهمين، على ما ورثه شرعاً، أو من التواريخ الأخرى التي حددتها المحكمة. وكانت بعض عقوبات المصادرة تشمل فضلاً عن المتهم الذي أدانته المحكمة ما زاد من أموال الزوجة أو الأولاد.

وألزم أحد أحكامها وزيراً سابقاً برد تكاليف شق مصرف، استغل نفوذه لشقه بالنسبة إلى الأرض التي يمتلكها، وإن سجلت المحكمة في حكمها للوزير السابق موقفه من طغيان كل من الملك فؤاد والملك فاروق، فإن وقوفه ضد هذا الطغيان لم يشفع في استغلال نفوذه في شق مصرف في قريته. وكما أبطلت المحكمة صفقتي استئجار قطعتي أرض لمصلحة شقيق وزير سابق، وصادرت ما زاد في أمواله وممتلكات شقيقه.

كما حكمت المحكمة بتعطيل جريدة «المصري»، لسان حال حزب الوفد اعتبارا من يوم 5 مايو سنة 1954.

محكمة الشعب

وفي أول نوفمبر سنة 1954 شكل مجلس قيادة الثورة من أعضائه محكمة الشعب برئاسة جمال سالم وعضوية أنور السادات وحسين الشافعي لمحاكمة «الإخوان المسلمين»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس جمال عبدالناصر في ميدان المنشية يوم 26 أكتوبر 1954، ثم ألف المجلس ثلاث دوائر فرعية للمحكمة لنظر قضايا بقايا المشتركين في محاولة الاغتيال والإرهاب وعددهم سبعمئة.

وقد قضت محكمة الشعب بإعدام سبعة من قيادات «الإخوان» نُفذ الحكم في ستة منهم، وخُفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة بالنسبة إلى المرشد العام للجماعة المستشار حسن الهضيبي، ثم أُفرج عنه صحياً، وبالأشغال الشاقة المؤبدة على سبعة منهم، وبالسجن 15 سنة على ثلاثة منهم. وقد وصل عدد المعتقلين من «الإخوان المسلمين» 2943، بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر. وكان عدد الذين حكمت عليهم محاكم الشعب 867 وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254.

هي صفحة طويت من تاريخ ثورة 23 يوليو 1952 لما شابها من مخالفة للأصول الإجرائية للمحاكمة العادلة المنصفة، فضلا عن عدم مثول المتهمين فيها أمام قاضيهم الطبيعي مما أخل بحق الدفاع، الذي هو وثيق الصلة بالدعوى الجنائية من زاوية تجلية جوانبها وتصحيح إجراءاتها وعرض المسائل الواقعية والقانونية التي تؤيد مراكز المتهمين بما يكفل ترابطها والرد على ما يناهضها، وهي ضمانات تم إغفالها في جميع هذه المحاكمات، التي اتسمت بالانتقام والرغبة في تصفية كل مناهض للثورة أكثر من تحقيق العدالة وبلوغ الحقيقة.

يقول أبومسلم الخولاني، «لو عدلت مع أهل الأرض جميعاً وجُرت في حق رجل واحد فقد مال جورك بعدلك».

حبس حسني مبارك ونجليه احتياطياً

لا نريد لثورة شباب 25 يناير أن تعيد هذه الصفحة من صفحات ثورة 23 يوليو، فالمحاكم الاستثنائية هي نقيض العدالة التي طالب بها هؤلاء الشباب، خصوصاً بعد الاستجابة السريعة لمطالب الثوار التي طالبوا بها يوم الجمعة 8/4 بسرعة التحقيق مع الرئيس السابق ونجليه، والذي أسفر التحقيق معهم عن صدور قرار النائب العام بحبسهم جميعا خمسة عشر يوماً احتياطيا على ذمة التحقيق.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top