لا تزال الأهداف الحقيقية الكامنة وراء نشر الوثائق الدبلوماسية الأميركية السرية، التي كشفت كثيراً من المواقف التي كان قولها في العلن يُعتبر من المحرمات، غيرَ واضحة. أما الواضح في اليوم الثاني على التوالي للكشف عن تلك البرقيات على موقع "ويكيليكس" فهو أن ذلك استدعى قيام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بجولة عالمية لطمأنة حلفاء بلادها بشأن السرية المستقبلية لمداولاتهم مع المبعوثين الأميركيين، بينما بقيت إيران، حرصاً منها على علاقات حسن الجوار مع جيرانها في المنطقة، على موقفها المتشكك، بأن الأمر لا يعدو كونه لعبة أميركية تهدف إلى بثِّ الفرقة في العالم الإسلامي.

Ad

استمر لليوم الثاني على التوالي أمس، تدفّق المعلومات التي كشفها نشر الوثائق الأميركية السرية عبر موقع "ويكيليكس"، والتي شكلت زلزالاً على الساحة الدبلوماسية العالمية، يبدو أنه قد يمضي وقت طويل، قبل أن تتوقف تردداته، وهو ما دفع الإدارة الأميركية إلى إطلاق حملة على جميع الجبهات، لطمأنة الأصدقاء والحلفاء، ومحاسبة المتورطين، وصوناً لمصداقيتها أمام الحلفاء والأعداء في أي محادثات سرية في المستقبل.

وفي جديد "ويكيليكس"، الذي وعد بنشر وثائق حول "مصرف أميركي ضخم" مطلع العام المقبل، أظهرت برقيات دبلوماسية أميركية مسربة أن "رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي السيناتور جون كيري، قال لمسؤولين قطريين إن مرتفعات الجولان يجب أن تعود إلى سورية وإن القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية".

وذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن كيري قال في فبراير الماضي، أثناء لقاء مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس الوزراء القطري حمد بن جبر آل ثاني، أن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يعيد مرتفعات الجولان إلى سورية كجزء من معادلة سلمية.

وأشار كيري إلى أن "الرئيس السوري بشار الأسد يواصل تزويد حزب الله بالسلاح والتدخل في الشؤون اللبنانية، إلا أنه وافق على كلام الأمير القطري بأنه يجب التركيز على سورية للتوصل إلى اتفاق سلام بين العرب وإسرائيل".

وعن القدس، قال كيري، الذي لم يكن يتحدث باسمه في اللقاء بل كان يعرض سياسة الإدارة الأميركية، إن "الإشراف على المسجد الأقصى واعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية أمران لا يمكن المساومة عليهما بالنسبة للفلسطينيين. وأكد أيضاً أن إسرائيل لن تساوم على عدد من المسائل مثل الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية، وأن نزع السلاح وحدود الدولة الفلسطينية لا يُحلان إلا من خلال المفاوضات. وفي نهاية اللقاء، قال الأمير القطري لكيري إنه لا يمكن الوثوق بالإيرانيين، فهم يقولون مئة كلمة، ويصدقون في واحدة فقط".

حزب الله في كندا

على صعيد آخر، ذكرت وسائل الإعلام الكندية أن الوثائق التي سربها موقع "ويكيليكس" تظهر أن الاستخبارات الكندية تضيق على عملاء "حزب الله" في البلاد، غير أنها تلقت معلومات استخبارية من إيران بشأن أفغانستان.

ونقلت إحدى الوثائق التي تناولتها صحف "غارديان آند مايل" و"مونريال غازيت" و"ذا ستار" عن المدير السابق للاستخبارات الكندية جيم جاد أثناء لقائه بمستشار الخارجية الأميركية أليوت كوهين أن عناصر من "حزب الله" اللبناني توجد في كندا، مشيراً إلى أنه لاحظ أن أجهزة الاستخبارات في البلاد "ردت مؤخراً على معلومات استخبارية غير محددة بشأن عمليات إرهابية محتملة" من خلال "المضايقة الشديدة" على الأعضاء المعروفين في الحزب الموجودين في كندا.

حرج فرنسي

وتواجه فرنسا حرجاً محتملاً يتعلق بطائراتها المقاتلة من طراز "رافال" بعد أن أفادت وثيقة سرية أميركية كشفها موقع "ويكيليكس" بأن "عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة أيّد رأياً قائلاً إنها تمثل تكنولوجيا الأمس".

وتردد أن هذا الحديث ورد في الأول من نوفمبر عام 2009 في حديث بين الملك البحريني والجنرال الأميركي ديفيد بتريوس الذي كان في ذلك الوقت مسؤولاً عن القيادة المركزية الأميركية.

وتفيد الوثيقة بأن الملك حمد طلب من بتريوس المساعدة في إقناع شركات تصنيع الطائرات الأميركية بالمشاركة في أول معرض طيران تقيمه البحرين في يناير 2010.

وأفادت البرقية المرسلة من السفير الأميركي في المنامة بأنه "قال إن فرنسا تدفع طائراتها الرافال، وإنها ستشارك"، غير أنه يتفق مع بتريوس على أن المقاتلة الفرنسية تمثل تكنولوجيا الأمس".

إلى ذلك، انتقد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تسريب التقارير الدبلوماسية الأميركية، معتبراً ذلك "أدنى درجات اللامسؤولية".

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو رفض تأكيد "أي من التصريحات المنسوبة إلى مسؤولين أو دبلوماسيين فرنسيين" في هذه البرقيات التي وصفت الحكومة الفرنسية نشرها بأنه "تهديد".

بكين وبيونغ يانغ

من جانب آخر، أفادت وثائق رسمية أميركية كشفها موقع "ويكيليكس" أن الصين مستعدة لقبول توحيد شبه الجزيرة الكورية.

وخلال عشاء فاخر العام الماضي، قال السفير الصيني في كازاخستان تشينغ غوبينغ إن بكين تعتبر البرنامج النووي الكوري الشمالي "مزعجاً جداً"، حسبما ورد في مذكرة دبلوماسية.

ونقلت صحيفة الـ"غارديان" البريطانية عن برقية أرسلها السفير الأميركي ريتشارد هوغلاند أن السفير الصيني قال إن "الصين تأمل إنجاز إعادة توحيد سلمية، لكنه يتوقع أن يبقى البلدان منفصلين في الأمد القصير".

وفي مذكرة أخرى، نقل عن نائب وزير خارجية كوريا الجنوبية شون يونغ وو أن "للصين تأثيراً على كوريا الشمالية أقل مما يعتقد الناس". وأضاف أن "بكين لا ترغب إطلاقاً في استخدام الرافعة الاقتصادية لإحداث تغيير سياسي في بيونغ يانغ، وقادة الجمهورية الشعبية لكوريا الشمالية يعرفون ذلك".

ويعتقد المسؤول الكوري الجنوبي أن قادة الحزب الشيوعي الصيني "ما عادوا يعتبرون كوريا الشمالية حليفاً مفيداً أو أهلاً للثقة".

وهو يرى أن كوريا الشمالية "انهارت اقتصادياً وستنهار سياسيا بعد عامين أو ثلاثة أعوام من وفاة زعيمها الحالي كيم جونغ إيل"، معتبراً أن الصين "لن تكون قادرة على وقف انهيار كوريا الشمالية بعد وفاة زعيمها كيم جونغ ايل".

جولة أميركية

وغادرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مساء أمس الأول، واشنطن للقيام بجولة دولية تهدف إلى طمأنة الحلفاء بأن واشنطن تبقى شريكاً يحظى بمصداقية رغم تسريب البرقيات الدبلوماسية.

وستلتقي كلينتون نظراءها من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تضم 54 عضواً في قمة تُعقد في كازاخستان قبل أن تزور أوزبكستان والبحرين.

وفي البحرين ستلقي كلينتون خطاباً مهماً حول دور الولايات المتحدة في الأمن الإقليمي خلال منتدى سنوي.

وقالت كلينتون: "أود شخصياً أن أشدد على الأهمية التي أعلّقها على المحادثات الصريحة والمثمرة التي أجريناها حتى الآن، وعزمنا على مواصلة العمل معاً بشكل وثيق".

وأضافت للصحافيين: "من الواضح أن هذه مسألة تثير قلقاً كبيراً لأننا لا نريد لأحد في أي من الدول التي قد تكون تأثرت بهذه التسريبات المزعومة أن تساوره الشكوك حول نوايانا وحول التزاماتنا".

وتابعت قبل أن تستقل طائرتها: "السياسة تُصنع في واشنطن". وأضافت أن الرئيس الأميركي باراك أوباما "وأنا كنا واضحين جدا حيال أهدافنا في التعامل مع مجموعة واسعة من التحديات العالمية التي نواجهها، وسنواصل القيام بذلك".

وأوضحت كلينتون: "سنواصل العمل من أجل كل فرصة عمل مع أصدقائنا وشركائنا وحلفائنا في جميع أنحاء العالم والتعامل بطريقة حصيفة مع هؤلاء الذين لدينا معهم خلافات".

تعليق سعودي

 وقللت المملكة العربية السعودية من أهمية الوثائق الدبلوماسية التي سربها "ويكيليكس" والتي تقول إن "الملك عبدالله حث الولايات المتحدة على مهاجمة إيران".

وصرّح الناطق باسم وزارة الخارجية السعودية أسامة النقلي بأن "الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس التي تحدثت عن دعوة المملكة واشنطن إلى مهاجمة إيران لوقف برنامجها النووي لا تعني المملكة". وأضاف: "المملكة لا تعلم شيئاً عن صحة ما ينشره الموقع، وبذلك لا يمكنها التعليق على ذلك".

إيران تحذّر

من جهتها، دعت إيران دول المنطقة إلى "عدم الوقوع في الفخ" بتصديق الوثائق السرية التي نشرها موقع "ويكيليكس" معتبرةً أن هدفها "بث الفرقة" في العالم الإسلامي.

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست في لقائه الأسبوعي مع الصحافيين أن آلاف البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نُشرت على موقع "ويكيليكس" والتي تظهر بعضها خصوصاً قلق الدول العربية المجاورة من نوايا طهران تندرج في إطار "مؤامرة مريبة" من قبل الولايات المتحدة. واعتبر أن "أعداء العالم الإسلامي يواصلون زرع هاجس الخوف من إيران وبث الفرقة"، مضيفاً: "لكن مشروعهم لا يهدف إلا إلى حماية مصالح النظام الصهيوني وأنصاره وعلى دول المنطقة ألا تقع في هذا الفخ".

تحليل بحريني

 وذكرت المنامة أن ما ورد في الوثائق الأميركية المسربة "يعكس تحليلات وقراءات المسؤولين الأميركيين لاجتماعاتهم ولقاءاتهم مع القادة والمسؤولين في المنطقة".

وقال وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في بيان، إن "الوصول إلى تحليلات مبنية على هذه القراءات من جانب واحد سيؤدي بلا شك إلى نتائج خاطئة وغير صحيحة وتفتقد إلى الدقة بما لا يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة". وأكد أن سياسة بلاده الخارجية حول القضايا الإقليمية واضحة ومعلنة سواء خلال لقاءات المسؤولين البحرينيين مع نظرائهم الدوليين أو من خلال التصريحات العلنية في الاجتماعات الرسمية والمؤتمرات الصحافية.

وشدد على "حق جميع الدول في الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية، وعلى ضرورة أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل وأن تلتزم جميع دول المنطقة بالقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة".

من جهة ثانية، أعلن الرئيس التركي عبدالله غول أن الوثائق المسربة يمكن أن تزعزع الثقة في العلاقات الدولية، إلا أنه رأى أنها لن تضر بالاستقرار السياسي في تركيا.

تبادل الأراضي

وردّ ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما كشفه "ويكيليكس" من وثائق أميركية سرية عن تأييد نتنياهو لتبادل الأراضي مع الفلسطينيين في إطار اتفاق سلام، وقال إن هذا كان موقفه العلني وهذه هي سياسته اليوم.

وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن نتنياهو أيّد في لقاء مع مسؤولين أميركيين في فبراير 2009 فكرة تبادل الأراضي مع الفلسطينيين في إطار اتفاقية سلام، وأنه لا يرغب في مواصلة السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأوضح ديوان رئيس الوزراء أن ما كان نتنياهو يقصده هو أنه سيكون مستعداً لتقديم تنازلات إقليمية في إطار اتفاقية سلام مستقبلية.

وجاء في البيان أن هذه "كانت سياسة نتنياهو العلنية وهذه سياسته اليوم، وأنه لم يبدِ أي موقف آخر في اللقاء المذكور، وأكد البيان أن أي تفسير آخر لأقوال رئيس الوزراء ليس صحيحاً، ولا يعبر عن حقيقة موقفه". وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية انه بحسب برقية بعثت بها السفارة الأميركية في تل أبيب في 26 فبراير 2009 وسربها "ويكيليكس"، أعرب نتنياهو عام 2009 في لقاء مغلق مع وفد أميركي برئاسة السيناتور بنيامين كاردين عن تأييده لفكرة تبادل الأراضي في نطاق اتفاقية سلام.

وجاء في الوثيقة المسرَّبة أن "نتنياهو أعرب عن دعمه لمبدأ تبادل الأراضي وركّز على أنه لا يرغب في مواصلة السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، بل منع إطلاق قذائف صاروخية من هاتين المنطقتين".

وقال نتنياهو في اللقاء إنه "في حال أصبحت السلطة الفلسطينية شريكاً فسيتسنى لنا التفاوض معها حول تبادل الأراضي والمستوطنات وحتى حول سيادة فلسطينية على المنطقة".

وعرض نتنياهو على المسؤولين الأميركيين إطار عمل لخطته للسلام الاقتصادي كأفضل خيار لاتفاق سلام مقبل مع الفلسطينيين. وتقوم فكرته على بدء التنمية من الأساس لبناء بنية تحتية قوية ومستقلة. وقال نتنياهو للمسؤولين الأميركيين إن برنامجه "للسلام الاقتصادي" سيحسّن حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية. واعتبر أن التوصل إلى اتفاق مع الجانب الفلسطيني خيار أكثر واقعية من اتفاق مع سورية، نظراً لأن رام الله تسعى إلى الابتعاد عن طهران بينما تقترب دمشق منها.

(واشنطن ـ أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)