لوياك...ودرس التاريخ

نشر في 11-11-2010
آخر تحديث 11-11-2010 | 00:00
 لمى فريد العثمان قلوب ترتوي طرباً بعد جفاف وتصحر... مشاعر تتحرك وتلين بعد تيبس وتكلس... هكذا كان الشعور أثناء حضور المسرحية الاستعراضية "عمر الخيام" التي ملأت المكان إبهاراً وإبداعاً وتألقاً... ارتوينا منها زلالاً عذباً بعد ظمأ.

جهود مضنية بذلها فريق "لوياك" وتحديات كبيرة واجهت القائمين على المسرحية، بدءاً من غياب التمويل إلى التجهيز والتدريب الذي استغرق سنتين، لاسيما أن فريق العمل من الطلبة الهواة وليس من المحترفين... المسرحية مقتبسة من رواية "سمرقند" لأمين معلوف، والنص للمتميزة فارعة السقاف، والإخراج للمبدع إبراهيم مزنر... تدور أحداثها حول 3 شخصيات هي: الوزير "نظام الملك"، ومؤسس جماعة الحشاشين "حسن الصباح"، الذي نشر الرعب والقتل لبسط نفوذه، والفيلسوف والعالم الفلكي عمر الخيام الذي اتُّهم بالكفر والزندقة... لتصور اللوحات الفنية الراقية الصراع التاريخي بين السلطة والمتشددين والمفكرين في إسقاط رمزي على محنة الفكر والمفكرين في حاضرنا.

دارت أحداث المسرحية في الحقبة التاريخية ما بين القرنين الخامس والسادس الهجريين، حين سيطر الحكم السلجوقي على بلاد فارس والمناطق المجاورة، ولعله من المفيد أن نقرأ التاريخ وترابط الأحداث للمراحل التي أنتجت تلك الحقبة وما بعدها. يوجز المفكر الإسلامي المستنير د. أحمد صبحي منصور "عشرات الصفحات من تاريخ المسلمين" في لمحات تاريخية سريعة، نتطرق إليها بإيجاز شديد وتصرف.

اتسم العصر العباسي الأول بالانفتاح على الثقافات والفلسفات اليونانية والشرقية، فأفرزت تلك الحقبة فكراً عقلانياً، بعد أن كان مُحارَباً ومضطهداً في بداية العصر، كالمعتزلة التي تبناها الخليفة المأمون (198 - 218) فعلا شأنها في عصره، ومن بعده المعتصم ثم الواثق، ثم جاء وقت اضطُهِد فيه ابن حنبل وأتباعه... ليدشن الخليفة المتوكل بداية العصر العباسي الثاني سنة 232 بقضائه على المعتزلة، فانتصر بعد ذلك الفكر المتشدد على الفلسفة والعقلانية.

ضعفت الخلافة العباسية في عصرها الثاني (232 - 658)، وتفككت إلى قوى عسكرية، حين سيطر على بغداد بنو بويه (334 - 447) الذين انحازوا إلى الشيعة وأضعفوا الخلفاء العباسيين... كما سيطر السلاجقة (329 - 552) الذين تعصبوا للدين السني، ومنعوا الأوروبيين من الحج إلى القدس، لتتنادى الحملات الصليبية التي أقامت ممالك لها في سورية والعراق وآسيا الصغرى بعد إسقاطها لدولة السلاجقة التي قامت على أنقاضها في عواصم سورية والعراق الدولة الزنكية التي حاربت ضد الصليبيين.

وحين ضعفت الدولة الاخشيدية في مصر، فتحها الفاطميون (الآتون من تونس) سنة 358 وجعلوها مركزاً للخلافة الفاطمية الشيعية... لتدخل الدولة الفاطمية في صراع مع السنيين والصليبيين على حد سواء... فضعفت الدولة الفاطمية بعد موت الخليفة الفاطمي المستنصر في سنة 487، حين نقل الوزير "الأفضل" ولاية العهد من نزار إلى أخيه الأصغر المستعلي... لينقسم التشيع الفاطمي الإسماعيلي إلى نزارية ومستعلية... فهجر حسن الصباح زعيم النزارية مصر ليستولي على قلعة "آلموت" في بلاد فارس، ويؤسس فرقة "الحشاشين" الذين تربوا وتدربوا في تلك القلعة المحصنة على ترويع وإرهاب وقتل الخصوم، وقد اشتقت كلمة الاغتيال في اللغة الإنكليزية (Assasination) من اسم "الحشاشين".

أقام بعد ذلك صلاح الدين الأيوبي الدولة الأيوبية (567 - 648) على أنقاض الدولة الزنكية (التي كان قائداً في جيشها)، فضم مصر بعد انحلال الدولة الفاطمية وفتح القدس، ثم قضى بعد ذلك المماليك على سادتهم الأيوبيين واستولوا على الحكم سنة 648... ليأتي بعد عشر سنوات (658) القائد المغولي هولاكو ويُجهِز على الدولة العباسية و"الحشاشين"، ثم يعيد الظاهر بيبرس بعد ذلك الخلافة المملوكية، حتى سقطت سنة 921 على يد العثمانيين.

 هكذا كان الصراع الدائر بين التدين السني المتشدد والتدين الشيعي المتشدد، في كل مرة يتسلم أحدهم زمام الحكم يضطهد ويبيد ويتعصب ضد الآخر... درس التاريخ واضح... ولكن.

back to top