لا تجالسي والدك
تبدو بعض العظات المتشددة، مقبولة في سياقها الثقافي المحلي، خاصة إذا كان السياق متشدداً، ويضع المرأة في موقع متدنٍّ، متعدياً على قيمة الإنسان والعقل. هذه العظات تنكشف بشاعتها حالما تخرج إلى القنوات الفضائية لتدخل كوناً عالمياً، بل ويختلط بسياقات ثقافية مختلفة.الشيخ العراقي الذي خرج في فضائية دبي يقول إن من الحياء المحمود للمرأة ألا تشارك زوجها الطعام، لم يهتم بأن عظته لا تستمد مبادئها إلا من باطن أعراف بدوية وريفية، وأنها لم تعد مقبولة ولا مفهومة اليوم، في أي مكان ولا أي ثقافة، وأنه صار من المألوف أن ترى العائلات زوجاً وزوجة في المطاعم يتشاركون الطعام ويعدون هذه المشاركة من متع الحياة ومن صحة العلاقات، والأعجب أن نفس هذا الشيخ ظهر في قناة الــ»أم بي سي» في برنامج في الفترة الصباحية، حيث يشاهده معظم النساء، يتحدث عن العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته، ولم يمنعه حياؤه من ذكر الأعضاء التناسلية بالاسم، ثم زاد بأن وصف الجماع حركة حركة، زنقة زنقة.
الشيخ السعودي الآخر الذي خرج في قناة دبي الفضائية في برنامجه «قلبي معك» لم يصدق قلبه مع المتصلة التي طلبت منه النصح والمشورة في أمر طفلة، هي ابنة أخيها، يتحرش بها والدها، أسرع الشيخ بقول كلمتين مختصرتين في إدانة جريمة التحرش، ليفتح بعدهما نيران عظته على كل فتاة تجلس أمام والدها غير محتشمة، ثم انتهى بأنْ نصح الطفلة ألا تجلس مع والدها منفردة، ثم راح يضع اللائمة على لبس الفتيات هذه الأيام غير المحتشم الذي هو سبب في إثارة الشهوات، ثم يؤكد بالقول وكأن الحيلة أعيته من طول الشرح، قائلاً: «يا جماعة ترى الأب شاباً في الأخير».لا يشرح لنا الشيخ من أين استقى هذه المعلومات، التي دلل بها على أن الأب شابٌّ تصرعه الفتنة من مرأى ذراع أو ساق مكشوفة لطفلته؟! هل هي سيكولوجية مشابهة لسيكولوجيته هو؟ أم هي خلفية علمية درسها في حالة التوحش في العلاقات بين بني البشر، جعلته يصور الإنسان حيواناً تتحكم فيه غريزته، يشتهي حتى ابنته، وأن النساء كلهن طرائد ومتع لإشعال وإطفاء الشهوات؟!لا أحد من هؤلاء الشيوخ ينصح المتصلين بأن يذهبوا إلى القضاء، ولا أحد يؤمن بالعلاج النفسي، جميعهم يؤمنون بأن الحل السحري في نصحهم، وأن المعاناة ستنتهي بعد الأخذ بها. هذه النصائح الفضائية التي تحدث تحت مرأى ومسمع مالكي القنوات والمشرفين عليها، أليست جرائم تستحق مَن يفتح لها ملفاً في القضاء، لو كان لدينا مؤسسات مدنية، تلاحق هذا العبث بحقوق الناس ومصائرهم؟كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة