ليس من عادتي أن أكمل مشاهدة الأفلام في الطائرة، فالنعاس يغالبني مع المشاهد الأولى وأغط في سبات عميق، لكن الفيلم الذي تابعته في أثناء عودتي من رحلتي الأخيرة شدني لدرجة أنني فكرت في ما جاء فيه حتى بعد نزولي من الطائرة بساعات، ورأيت أنه يستحق الكتابة عنه، وأن هذا المقال ليس خسارة فيه!

Ad

الفيلم كوميدي اسمه "Dinner for Schmucks" وترجمته بالعربي "عشاء للحمقى أو للأغبياء" وحكايته تدور حول "تيم كونرات" وهو موظف طموح نال رضا مجلس الإدارة، وقرروا ترقيته كمدير تنفيذي للشركة، شرط أن يعثر على "الغبي المثالي" الذي يصاحبه للحفل السنوي المخصص للأغبياء، والذي يقام سنويا على شرفهم، حيث يقوم كل غبي بتقديم فقرة فنية يتنافس بها مع آخرين لا يقلون عنه حمقا وغباء، من أجل الحصول على كأس "الغباء" التي تخول صاحبه الذي اصطحبه الحصول على الترقية الوظيفية المنشودة!

بالمصادفة، يلتقي "تيم" عند اصطدام سيارته بغريب الأطوار "باري"، ويرى فيه الأحمق الذي يبحث عنه للعشاء الذي سيقام بعد يومين، غير أنه خلال هذين اليومين يقوم "باري" بإفساد حياة "تيم" بغبائه وحماقته، حين يتسبب بانفصال صديقته عنه وعثور عشيقته -من طرف واحد- والتي تبحث عنه من زمن على عنوانه، لكن "تيم" يتفهم أن "باري" تسبب بذلك دون قصد منه وأنه كان حسن النية طول الوقت، ويشعر "تيم" بتأنيب الضمير وأن باري لا يستحق معاملته كغبي، فقد كان صديقا مخلصا خلال هذه الفترة القصيرة وحاول مساعدته بكل الطرق لاستعادة صديقته التي فقدها بسببه، ويقرر عدم اصطحابه لعشاء الحمقى وأن يذهب وحيدا إلى هناك مهما كانت العواقب، لكنه يفاجأ بأن "باري" قد سبقه إلى هناك من أجل مساعدته في الحصول على الترقية، ويشعر "تيم" أن "باري" ليس أحمق غبياً إنما هو صديق حقيقي يقف معه في أصعب الظروف ويساعده ولو على حساب نفسه!

وواقع الأمر أن الحمقى في ذلك العشاء لم يكونوا كذلك، فمعظمهم كانوا من أصحاب المواهب الغريبة أو المهووسين بأمر ما، "باري" مثلا كان مهووسا بالفئران ويقوم بصنع دمى لها يضعها في لوحات، كل لوحة تحكي حكاية معروفة ومشهورة يعرفها الناس، حيث يقوم بإلباس كل دمية لباس الشخصية التي يتحدث عنها، وعلى هذا النحو كانت فقرته التي قدمها في العشاء، وكانت هي أجمل ما في الفيلم وعنوانها "برج الحالمين" وهي كالتالي:

(منذ آلاف السنين... كان القرود وحدهم على الأرض، وقد قالوا إننا لن نسير بشكل مستقيم أبدا، ولن نستخدم أدوات، ولن نتكلم أبدا، حينها قال قرد واحد "حقا... أنا أتكلم الآن".. هذا القرد كان حالما!

منذ 100 عام قرر "الأخوان رايت" أن يصنعا لنفسيهما طائرة، فصرخ الجميع فيهما "إنكما غبيان, أحمقان, ما مشكلتكما؟! هذا الأمر لن يعمل، فالطائرة ستكون أكثر وزناً من الهواء"، فبماذا رد عليهم "الأخوان رايت"؟... "لا... إنها لا تزن أكثر من الهواء" وقد صدق ظنهما... لقد كان الأخوان رايت حالمين!

أما هذا... فقد قال الناس كلهم له "أنت تملك أُذنا واحدة فقط، وليس بمقدورك أن تكون فناناً عظيما" هل تعرفون ماذا قال لهم؟ قال "إذن... لا أستطيع سماعكم" لقد كان "فنسنت فانجول" حالما!

وهذا هو الرائع "بنجامين فرانكلين"... لقد قال له الناس "لا تستطيع طائرة ورقية أن تحلق فى عاصفة كهربية"، فقال "بلى تستطيع، لو كانت هي طائرة كهربية"، لقد كان "بنجامين" حالما!

أخيرا... من تظنون هذا الفأر الصغير الوسيم؟! إنه "تيم كونرات"- بطل الفيلم- وهو يعتقد أنه في يوم من الأيام سيتزوج بالفتاة التي يحبها رغم أنه في كل مرة يسألها عن الزواج ترفض، ورغم علمه أنه بينما نتحدث هي غالبا تقيم علاقة مع فنان وسيم آخر... "تيم كونرات" شخص حالم!

الخلاصة... هي أنك يمكن أن تحقق أمنياتك الأكثر جنونية, يمكنك أن تجد أطول جبل، يمكنك أن تغرق فى كوب من القهوة، وإذا كان هناك أحد يقول لك إنك لا تستطيع أن تفعل أمراً، فعليك أن تقول له دائما "بلى أستطيع، لأننى سأفعلها الآن"!).

كانت هذه هي الفقرة التي قدمها "باري" وهي أجمل ما في الفيلم من وجهة نظري، وتدفعنا أو تحفزنا لأن نحلم حلما جميلا ونكرس وقتنا وجهدنا لتحقيق هذا الحلم، وألا نكترث كثيرا لما يقوله الآخرون المثبطون للهمم "حمقى، سذج، مغفلون، أغبياء" فقد قيل مثل هذا لكل المبدعين والعظماء، وهو بالضبط ما رآه الحاضرون في "باري" وفقرته، فقد منح على إثرها كأس الأحمق المثالي!

الفيلم مضحك وهادف وجميل... أنصحكم جميعا بمشاهدته، وهو على أي حال، خير ألف مرة من مشاهدة دموع التماسيح على الفضائيات الكويتية هذه الأيام!