تمر المنطقة الخليجية بحركة تدفق للبضاعة الطائفية إلى درجة الغرق، وإذا كانت البضائع الفاسدة في العادة يتم تهريبها خلسة وعبر الحدود وبخوف وتردد من افتضاح أمر أربابها، فإن سموم الطائفية تنفث عندنا بعلنية ومكابرة وبشكل منظم، وأحياناً بشكل رسمي وشبه رسمي ومن قبل النخبة في الكثير من الأحيان.

Ad

وعبر مقالات متعددة طوال السنوات الثلاث الماضية حذرنا من وجود الاحتقان الطائفي وتشرب القلوب به، والنفخ فيه بشكل متواصل ومنظم لا ينقصه سوى شرارة الحدث ليظهر على السطح، وحتى لو تأخر الحدث فقد يقوم البعض باختلاقه لإفراغ مضامينه وتأثيراته إلى الخارج.

وطالما كانت تبذل الجهود لمنع هذا الاصطفاف المقيت والعمل على امتصاص الفرز الطائفي في الكثير من المناسبات والأحداث، ولكن نجاح مثل هذه الاجتهادات كان وقتيا ومحدودا، وسرعان ما تبخر ليعود الأجواء القاتمة لتهيمن على المشاعر والعواطف.

وبؤرة الحالة الطائفية في هذه المرحلة استوردت من البحرين بآلامها وأحزانها ودماء شعبها وخطورة أوضاعها، ومع الأسف الشديد دفنت المعايير الإنسانية والموضوعية وتم تعطيل العقل والمنطق والحكمة من أجل تذكية الطائفية، ووصل الاستقطاب الطائفي هذا إلى حد المنافسة والضغط السياسي والتهديد بين الدعوة إلى إرسال الأطباء والأدوية إلى البحرين أو إرسال القوات العسكرية، وبين التوسط للحوار والتهدئة أو التخوين والتفرقة.

وإذا أردنا أن نختزل كل هذه التفاصيل، وما يتعلق بها من صور وإرهاصات باسم الطائفية، وبغض النظر عما ستؤول إليه نتائج الحراك السياسي في البحرين أو حتى غير البحرين يبقى صوت العقل وروح التسامح والوسطية والاعتدال هي صمام الأمان لأي سيناريو محتمل.

ولا أعرف أسباب الخوف والهلع والارتباك والحالة الهيستيرية عند الكثير من الناس لحركة الاحتجاجات في البحرين، والنظر إليها بمنظار أعور رغم عروبة البحرين وتشابه الأوضاع السياسية والاقتصادية التي فجرت غضب الشعوب من المحيط إلى الخليج، وأسقطت وستسقط عتاة الأنظمة الديناصورية المستبدة كما جرى في تونس ومصر، وما يجري في اليمن وليبيا، فلماذا مثلاً نساند قصف قوات القذافي ومرتزقته دفاعاً عن الشعب الليبي، وتحت غطاء من مجلس الأمن الدولي، بينما نطالب بإرسال الجيوش لتواجه الشعب في البحرين؟

نعم قد تتغير الأنظمة، وقد تنفجر الثورات، وقد تحدث انقلابات سياسية، وقد تتبدل السياسيات في أي مكان في العالم، وقد تأخذ صبغة دينية أو مدنية، ولكن يظل صمام الأمان وخاصة في وأد الطائفية وشرورها في النخبة المرشحة لمسك زمام الأمور.

فها هي تركيا بحزبها الإسلامي الكاسح تعطي نموذجاً رائعاً للفكر الديني السنّي، وها هو القائد أردوغان الذي ألغى الطائفية من خطابه وقراره وساوى بين الحراك المغاربي والبحريني، وحذر من «كربلاء جديدة» في هذه المملكة الصغيرة، وتفرد بالعداء للكيان الصيهوني فقط، ولماذا لا تكون هناك شعبية تتناغم وتتواصل مع هذا النموذج التركي لما فيه مصالح أهم وأكبر لعموم أمة الإسلام بدلاً من العقليات التي تريد إرجاعنا إلى القرون الوسطى؟

ولهذا فإننا نوجه دعوة تقتضيها حساسية الأوضاع وخطورتها، وعلى مستوى كل فرد فينا لمقاطعة البضاعة الطائفية على إيميلاتنا ورسائلنا الهاتفية وخدمة الـ»وتس أب» وغيرها من طرق التواصل الاجتماعي الحديث؛ لعل وعسى نساهم جميعاً ولو بشيء بسيط في خلق جبهة أخوية ضد التطرف والمتطرفين!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة