معظم الدول العربية ذات اللون الديمقراطي، حتى وإن كان هذا اللون باهتاً، تشكو مرَّ الشكوى تغولَ المعارضة وأشباه المعارضة على هيبتها كالتحرش بالحكومات بلا أي سبب مقنع ووجيه، وكالاعتداء المقصود على رجال الأمن وعلى موظفي الدولة، وكعدم الالتزام بالقوانين والأنظمة النافذة، وكالتلكُّؤ عن دفع الضرائب، والتعالي على كل من له صلة بالأجهزة الحكومية.

Ad

وهذا يجعل الديمقراطيين حقاً يعضون أيديهم ندماً على انخراطهم في كفاح ستينيات وسبعينيات وأيضاً ثمانينيات القرن الماضي، من أجل التخلص من الوضعيات الاستبدادية وغياب الحريات العامة والحكم بلا قوانين وأنظمة يتم الاحتكام إليها وتطبق على كل المواطنين بلا استثناء وبلا تمييز بين غني وفقير، ويومئذ كان هؤلاء الذين "يتمرجلون" على هيبة دولهم يطأطئون رؤوسهم وتلتصق جباههم بالأرض لشدة الاستخذاء والخنوع.

وتجنبّاً لأي لَبْسٍ أو التباس فإنه لابدَّ من التأكيد على أن المشكلة لا تكمن في الديمقراطية نفسها، بل تكمن في أن حال هؤلاء الذين يستهدفون هيبة دولهم كحال أولئك الجبناء الذين لا تستيقظ رجولتهم إلَّا عندما يعودون إلى منازلهم ليستأسدوا على زوجاتهم وأطفالهم بعد أن يشبعهم الرجال في الخارج إهانات وبصقاً في وجوههم، وإنه لابدَّ من التأكيد أيضاً على أن المشكلة تكمن أيضاً في الأنظمة التي تتراخى كثيراً في تطبيق أنظمتها النافذة على الجميع، وذلك على رغم أنها تعرف تلك الحكمة الخالدة التي تقول إنَّك إنْ تراجعت أمام الخصْم خطوة فإنه سيضاعف الضغط عليك كي تتراجع خطوتين.

والخطير أن تفشي ظاهرة التجاوز على هيبة الدولة أدت إلى أن الدول ذات اللون الديمقراطي باتت تفكر جديّاً في العودة إلى أيام الكرابيج والأحكام العرفية، وأدت إلى أن كثيرين من الديمقراطيين حقاً باتوا يشكون ويشككون في قابلية المجتمعات العربية للحريات العامة وللديمقراطية، وباتوا يصدِّقون أن هناك شعوباً لا تحكم إلَّا بالسوط والزنازين وأنه لا تنفع مع هذه الشعوب إلَّا أبشع أنماط الاستبداد الآسيوي البغيض.

ولهذا وكي تستقيم الأمور ولتجنيب الدول، التي هناك تمادٍ وتغول بشعان على هيبتها، فإنه على هذه الدول ألَّا تتهاون في تطبيق القوانين على الجميع، وإن عليها أنْ تُفهم الناس أن الحرية توأم المسؤولية وأن الديمقراطية لا تعني الفوضى والتسيب والانتقائية، وأنها انضباط صارم بالأنظمة والأعراف الإيجابية المتبعة، ولذلك فإن أيّاً كان في بريطانيا من رئيس الوزراء حتى أي مواطن عادي لا يستطيع أن يوقف سيارته في مكان مخالف، أو أن يدخن سيجارة في مكان عام، أو أن يتجاوز الدور أمام شباك التذاكر في إحدى دور السينما.