من فلوريدا إلى الكويت، الحالة متشابهة، هناك موتور وهنا موتور مثله، كلاهما لا يمثل إلا نفسه، لكن أضف: هنا سياسيون ووسائل إعلام لم يحسنوا التعاطي مع قضية ياسر الحبيب، فكبر الفخ على الطائر وكاد يفلت زمام الأمور، وقاربنا الدخول في فتنة طائفية، مع العلم أن أتباع متطرفي الجانبين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة.

Ad

من دون مقدمات، تدحرجت كرة الثلج الطائفية حتى كبرت وأصبحت تهدد سلامة الوطن وأمنه الاجتماعي، ما السبب؟ أن موتوراً ينتمي للطائفة الشيعية أساء لأم المؤمنين، ثم تصاعدت الأحداث لتتحول من تصريحات وبيانات صحافية متبادلة إلى ندوة، وأخيرا تهديد بالقتل لنواب في البرلمان واعتزام استجواب رئيس الوزراء.

مؤسف جداً أن نرى ما يحدث ونفقد قدرتنا على تقييم الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، ومؤسف أيضاً أن يتخذ سياسيون من التأجيج الطائفي وسيلة لحشد الشارع وإظهار قوتهم حتى لو كان ذلك على حساب البلد.

تصريحات أغلب النواب ألقمت النار الطائفية حطباً، وبدلاً من أن نحتفل بالعيد «عايدنا» النواب على طريقتهم، فهذا يصف زميله بأنه روبين هود وذاك يرد عليه بأنه أصلع، وتهديد بالقتل يمر بينهما، وأجهزة أمنية تستفز، (فقط ولاحظوا معي جيداً) أن معتوهاً تعرض لأم المؤمنين عبر موقعه الإلكتروني.

ياسر الحبيب يعيش في لندن متمتعاً باللجوء السياسي، ويسعى إلى أن يكون مرجعاً شيعياً، وهناك تحفظات شيعية ورفض رسمي لأطروحاته، وهناك إشكالية قانونية حول مطالبة الكويت به، كما أخلت أطراف عدة بمهامها الوظيفية ليتمتع بعفو أميري أخرجه من السجن رغم أنه لا يستحقه في فبراير 2006، ثم خرج من البلاد لينتهي به المقام أخيراً في لندن حيث يقيم هناك.

في فلوريدا طالب موتور آخر بحرق القرآن، وفي أستراليا أشعل شخص سيجارة لفها بصفحات من القرآن والإنجيل، ويبدو أن هذا السلوك وارتفاع حدة الطرح الديني والصراع المذهبي أصبحا سمة غالبة على العالم، فلسنا وحدنا في مواجهة هذا «الخبل».

في الولايات المتحدة الأميركية اعتبرت وزيرة الداخلية في لقاء مع شبكة CNN (كما نقلت جريدة «النهار» الكويتية الثلاثاء) أن القس الذي دعا إلى حرق نسخ من القرآن بمناسبة الذكرى التاسعة لهجمات11 سبتمبر هو جزئيا من صنع الإعلام، لأن لديه كنيسة صغيرة، لكنه استطاع أن ينتشر عبر الإنترنت ويصل إلى العالم كله بسرعة، أما أستاذ التلفزيون في جامعة سيراكيوز، روبرت طومسون، فأرجع ما جرى إلى التغطية الإخبارية المعتمدة على الإثارة ووسائل الإعلام الاجتماعية ووسائل الإعلام العالمية، وهو ما يشير إلى أن تأثير الشخصيات المتطرفة المستفزة تتجه إلى الزيادة، ويبين بعد ذلك أن أيام ما قبل الإنترنت لم يك السلوك الشاذ الملتوي لرجل مثل جونز ليرتقي حتى يكون خبراً محلياً.

من فلوريدا إلى الكويت، الحالة متشابهة، هناك موتور وهنا موتور مثله، كلاهما لا يمثل إلا نفسه، لكن أضف: هنا سياسيون ووسائل إعلام لم يحسنوا التعاطي مع قضية ياسر الحبيب، فكبر الفخ على الطائر وكاد يفلت زمام الأمور، وقاربنا الدخول في فتنة طائفية، مع العلم أن أتباع متطرفي الجانبين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة.

سواء سحبت جنسية ياسر الحبيب كما يطالب بذلك نواب، أو فضلت الحكومة الصمود في وجه هذه المطالبات والضغوط، لن يتغير سلوك المتطرفين كما لن يستطيع أي طرف إعلاء كلمته، بل على العكس سندور في حلقة مفرغة مادامت الأحداث المتلاحقة وحالة الاحتقان السياسي مناسبة تمكن متطرفي كل جانب من الظهور وإشباع رغبتهم في الإثارة، والحل الأنسب للتعامل مع مثل هذه الحالة تجاهلها نهائياً، وفقاً لأبعاد قانونية أو أسباب أخلاقية، فالتجاهل يخرج هذه النماذج من دائرة الأضواء.