كتب الدكتور البغدادي رحمه الله في 2006 مقالاً بعنوان «إثم الصمت... التعذيب في الكويت» يستنكر فيه عدم اتخاذ وزير الداخلية إجراء حاسماً ضد من قام بتعذيب أحد المحققين (بسبب شكواه)... كما اعتبر د. البغدادي كل من لم يبدِ اعتراضاً مشاركاً في إثم الصمت على هذه الجريمة... مطالباً وزير الداخلية بتصحيح هذا الوضع المهين للإنسانية. إلا أن الأمر اليوم يزداد قتامة وسواداً بسبب سياسة الإفلات من المحاسبة والعقاب... لم تتحرك الوزارة إلا بعد أن أصبحت قضية محمد المطيري الذي عُذب حتى الموت قضية رأي عام... نعم، إن الذي قتل المطيري كما قال د. غانم النجار هو المجتمع الذي صمت عن انتهاك حقوق الإنسان، فصمت عن موت عامر خليف العنزي تحت التعذيب في 2005، وسكت عن انتهاكات تمارَس ضد أصحاب الرأي، وتغافَل عن عذابات تقع على فئات أخرى من المجتمع كالبدون والعمالة والمقيمين، حتى أصبح العنف والمعاملة الحاطة بالكرامة جزءاً من سلوك المجتمع، فلماذا العجب؟

المخزي أن بعض ممثلي الشعب بدلاً من سعيهم إلى حماية حقوق الإنسان وكرامته دأبوا على الدفاع عمن ينتهكهما وطالبوا ببقائه وعدم تحمله المسؤولية السياسية، بالرغم من سياسة الكذب والتضليل والتلفيق التي تمارسها وزارة الداخلية بشكل متواصل دون استيعاب الدروس، ففي البيان الأول لفقت التهمة للمجني عليه دون دليل أو محاكمة، وبررت بشكل مبطن الاعتداءات الوحشية، وحكمت دون تحقيق بأن وفاته كانت بسبب مرضه بالقلب، حتى كشف النائب مسلم البراك عن التقرير الطبي الذي أثبت آثار التعذيب على جسد المغدور، كما فضح البراك تلفيق التهم للشاهد صياح الرشيدي، وكتاب إبعاد الشاهد الآخر حارس العمارة عبدالستار عبدالعزيز.

Ad

الصمت على تلك الجرائم الإنسانية والقول إنها «سلوكيات فردية» جريمة كبرى، ونسوق هنا أحداثاً عشوائية حدثت في السنين والشهور والأيام القليلة الماضية، وما خفي كان أعظم: تعذيب واعتداء وحشي على حدث سعودي يدعى «م.م.ش» على أيدي أحد رجال مباحث مخفر الجابرية (جريدة الآن 18/1/2011)، مواطن يبلغ من العمر 58 عاماً يتعرض للتعذيب على ذمة اتهامه بقضية مقتل طفل، ويطلق سبيله بعد إلقاء القبض على المتورطين في الجريمة، يقول المواطن عما حدث له في «غرفة الرعب»، إنه «تم نقله بعد الفلقة والأسلاك إلى غرفة مجاورة فيها بايبات، وعلقوه مثلما تعلق الذبائح وأبقوه معلقاً في الهواء وهو مقيد اليدين والرجلين قرابة يوم كامل» (الراي 18/1/ 2011)، تعرض الشاب الأميركي غوليت محمد البالغ من العمر 18 عاما، لتعذيب متواصل في الكويت (نيويورك تايمز 7/1/2011)، اعتداء تعرض له أحد الصحافيين المصريين بجريدة السياسة الكويتية على يد ضابط شرطة (مصراوي 7/8/2009)، الاعتداء على الصحافيين بشار الصايغ وجاسم القامس على أيدي مسؤولي الأمن (تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2008)، قيام ضباط كويتيين بتعذيب وإساءة معاملة عاملين مصريين خلال احتجازهما قيد الترحيل (المصري اليوم 6/ 9/ 2007)، إلقاء القبض على «المتشبهين بالجنس الآخر» و»إيذاؤهم جسدياً ونفسياً» أثناء عملية الاحتجاز في سجن طلحة، كما توفي باكستاني ورجل آسيوي أثناء احتجازهما من قبل الشرطة، وضرب أحد الصحافيين بالعصي بعد أن ألقي القبض عليه عام 2005 بتهمة نشر أخبار تضر بمصالح البلاد، وتمت تبرئته لاحقاً بحكم من محكمة الاستئناف (هيومان رايتس ووتش 2007).

على الناخبين أصحاب الضمائر الحية أن يسائلوا نوابهم عن الإجراءات التي اتخذت تجاه المسؤولين عن تلك الجرائم البشعة، وهل تمت محاسبتهم وإحالتهم إلى التحقيق؟ لم نسمع أو نقرأ عن محاسبة أو تحقيقات، ولا عن مساءلة لجان حقوق الإنسان البرلمانية السابقة للممارسات اللاإنسانية والمهينة، ليعلم النواب أن من لا يحاسب الحكومة على تلك الممارسات الوحشية لا يستحق تمثيلهم.

لطالما حاول النواب المدافعون عن الحكومة التعامل مع القضايا بدفن رؤوسهم في الرمال ومحاولة تحسين صورة الحكومة وإخفاء قبحها بمساحيق شعارات الديمقراطية والمؤسسات، ففي دولة يستشري فيها الفساد ويعطل فيها حكم الدستور يتغير معنى كلمة الأمن من طمأنينة إلى نقيضها الخوف، وتتحول تدريجياً إلى دولة بوليسية، حيث يفلت من العقاب الفاسدون والمجرمون، ويحاسب أصحاب الرأي ويسجنون، وتحط من كرامة الناس ويهانون.