ليبرمان... الداعم للفلسطينيين
كما أن المتطرفين على الجانب الفلسطيني والعربي والإسلامي، الذين ينكرون "الهولوكوست" ويهددون بفناء إسرائيل وإلقاء اليهود في البحر، يضعون في أيدي عتاة التطرف الإسرائيلي المبررات التي هم في حاجة إليها ليتهربوا من عملية السلام ويضعوا كل هذه العراقيل في طريق المفاوضات، كذلك فإن وجود مسؤول في هذه الحكومة الإسرائيلية مثل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان هو الإثبات الذي لا يقبل الدَّحْض بأن هذه الحكومة غير معنية بالعملية السلمية ولا تريد الحل الذي أجمع عليه العالم كله للقضية الفلسطينية.آخر ما قاله ليبرمان هو أن إسرائيل لن تعتذر لتركيا بالنسبة إلى جريمة سفينة مرمرة التي قتل على متنها مغاوير الجيش الإسرائيلي تسعة من الأتراك في حادث أسطول الحرية المعروف، وقال أيضاً: "بل إنه على الأتراك أن يعتذروا لاحتضانهم الإرهاب"، وحقيقة إن هذا هو المطلوب ليعرف العالم وليتأكد من أن هذا الموقف ليس موقف شخْص مأفون، بل هو موقف هذه الحكومة الإسرائيلية التي يحتل فيها هذا الشخص، الذي يصفه الإسرائيليون بالرعونة والهوج، موقع وزير الخارجية.
لسنوات خلت كان الإسرائيليون يقدمون إلى العالم ذوي الملمس الناعم من قادتهم، ومن بين هؤلاء شمعون بيريز، الذين يغلفون مخالبهم الجارحة بـ"قفازات" مخملية، والذين يسهل تسويقهم لدى الأميركيين والأوروبيين على أنهم حمائم مقابل "صقور" التنظيمات الفلسطينية، والمؤسف حقاً أن هذه المناورات والألاعيب كانت تمر وخصوصاً على الغرب بكل بساطة، ولعلّ ما كان يسهل على الإسرائيليين هذه المهمة وجود من كانت ولاتزال أقوالهم أكثر من أفعالهم، والذين لا يعرفون ولا يدركون أنهم كلما تمادوا في "العَرْط" والتهديد بإلقاء اليهود في البحر كسب الإسرائيليون المزيد من الدعم والتأييد لدى الرأي العام الغربي والدول الفاعلة والمؤثرة. لكن وقد أفرز المجتمع الإسرائيلي كل هذا التحول نحو المزيد من التطرف واليمينية، واحتل واحد مثل أفيغدور ليبرمان موقع وزير الخارجية في حكومة على رأسها بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفاً من وزير خارجيته فإنه على الفلسطينيين والعرب أن يلعبوا اللعبة جيداً، وأن يغتنموا الفرصة باتباع نهج بعيد عن المزايدات و"العرْط" الفارغ لاستدراج المزيد من اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية.إنه لا أحلى على قلب بنيامين نتنياهو وبالطبع على قلب وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان من أن يرضخ محمود عباس (أبومازن) لفرسان الصخب الثوري عن بعد ومن وراء الحدود ويستقيل من موقعه ويحل السلطة الوطنية ومنظمة التحرير ويعود إلى مقولة: "ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وكأن العمل السياسي الصحيح ليس قوة، وكأن تبني العالم للقضية الفلسطينية على هذا النحو ليس قوة، وكأن محاصرة إسرائيل بالحق الفلسطيني ليس قوة، وكأن القوة هي "معْط حكي" عن بعد والتنظير المدفوع الثمن الذي سمع الفلسطينيون الكثير منه على مدى كل سنوات تاريخ قضيتهم الطويل.الآن وبما أن هناك كل هذا الإقبال العالمي نحو القضية الفلسطينية فإنه لا أفضل من أن يكون الناطق باسم إسرائيل هو أفيغدور ليبرمان الذي لا يشبهه في مجال المقارنة بما كانت عليه الأمور في جنوب إفريقيا عشية انهيار نظام الـ"أبرتهايد" العنصري إلا بيتر ويليم بوثا، وهذا يعني ضرورة اتباع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) النهج الذي سار عليه نيلسون مانديلا، إذ كان عنوان تلك المرحلة المزيد من استدراج العالم لتأييد القضية الجنوب إفريقية من خلال المزيد من الاعتدال على جانب الأفارقة السود والمزيد من التشدد على جانب العنصريين البيض.