ما قل ودل: البحث عن مأدبة عشاء أشاعت الفوضى في مصر

نشر في 06-02-2011
آخر تحديث 06-02-2011 | 00:00
من قلب كويتي إلى قلب كل مصري هي رسالة طويلة من مواطن كويتي حملت هذا العنوان، لم يرسلها لي وحدي، فقد عرفت من كل من قابلت من مصريين وكويتيين أنهم تلقوا الرسالة ذاتها التي يقول فيها: (ربنا يحميكي يا مصر قولوا آمين، بس يا مصريين حافظوا على بلدكم، كويتي لكن حزين، أصلها مش بلدكم وحدكم......
 المستشار شفيق إمام من قلب كويتي إلى قلب كل مصري

هي رسالة طويلة من مواطن كويتي حملت هذا العنوان، لم يرسلها لي وحدي، فقد عرفت من كل من قابلت من مصريين وكويتيين أنهم تلقوا الرسالة ذاتها التي يقول فيها:

(ربنا يحميكي يا مصر قولوا آمين، بس يا مصريين حافظوا على بلدكم، كويتي لكن حزين، أصلها مش بلدكم وحدكم... عملتم كل حاجة لنا «في المدارس في الملاعب، في المساجد، في المستشفيات في الغزو» وأدي مصر حزينة، أصل ما ينفعش مصر تحترق، ده معناه أن الفرحة تتسرق، تاريخي وتاريخك يتسرق، والنبي يا مصري دمعتي بتجري، أوعوا مصر تتسرق، يغور جمال، يغور شريف، يغور عز، يغور نظيف، بس أوعوا مصر تتحرق.

كويتي درست بجامعاتك، شربت نيلك، سهرت بطرقاتك وبحبك، وأنا لو عاوز أحلف أحلف بحياتك، زي ما أبوس تراب الكويت، برضه أبوس ترابك، محروسة وحتبقي محروسة، لما إنتي ما تبقيش محروسة أمال مين المحروسة، كويتي بيحبك وحزين بين عيالك، بادعيلك، بكلام رب العالمين... «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ». ربنا يحميكي يا مصر).

دمعت عيناي وأنا أقرأ الرسالة التي أشكره عليها، وأشكر كل كويتي تعاطف مع مصر والمصريين في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها، ولكن هذه الدماء لن تذهب هباءً، لأن الحرية هي أغلى ما في الوجود، وهي تستحق هذه الدماء، ومصر تستحق أكثر من ذلك بكثير لتعود لها مكانتها في قلب كل عربي صحيح، يا أخي الكويتي إن الدم ينزف والدمع يذرف والشهداء من الشباب يتساقطون الواحد تلو الآخر، والجرحى تعج بهم المستشفيات.

ولكن كان حلمي وحلم كل مصري، هو التغيير، هو الإصلاح السياسي والاجتماعي، هو الديمقراطية، هو نزاهة الانتخابات ليعبر البرلمان عن إرادة الشعب بحق، هو القضاء على الفساد.

ولقد تحقق الحلم لأرى شباب مصر في تلك الانتفاضة العفوية، التي خرجت من كل صوب وحدب، تلبي نداء على «الفيس بوك» بالالتقاء في ميدان التحرير في عيد الشرطة لتقول وفي صوت واحد لنظام الحكم القائم في مصر، نريدها ديمقراطية حقيقية، نريدها انتخابات نزيهة، نريد القضاء على الفساد، نريد دولة تكفل لأبنائها الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية، نريد القضاء على الفقر والجهل والمرض، بعد أن أصبح تلقي العلم قصرا على الأغنياء في المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة، وتلقي الرعاية الصحية احتكارا لهم في مستشفيات فندقية هدفها الربح وحده، لأن كل شيء قد أصبح استثمارا، في يد فئة قليلة من أفراد الشعب، نهبت ثرواته، وقمعت كل من يعارض مصالحها أو يكشف مفاسدها.

لماذا اختيار عيد الشرطة

ولعله ليس من قبيل المصادفات، أن يختار الشباب يوم عيد الشرطة يوما لانتفاضتهم الشعبية، التي أيقظت الروح المصرية، فقد كان ذلك تحية لرجال الشرطة، تحية لم يفهمها بعضهم، نعم كانت تحية لشهداء الشرطة الخمسين الذين قدموا أرواحهم فداء لكرامة مصر وشعب مصر، عندما تصدوا في هذا اليوم من عام 1952 للقوات البريطانية بمصفحاتها ودباباتها ومدافعها، وهي تدك مبنى محافظة الإسماعيلية، ولينحني قائد القوات البريطانية لبسالة جنود الشرطة المصريين، ففي هذا اليوم اختلط دم الجندي إبراهيم مرقص لويس بدم الجندي محمد حسن فرحات، ودم جنود الشرطة بدم الفدائيين المصريين ملاك حنا غبريال ومحمد الشامي وغيرهما في معارك السويس والإسماعيلية.

حريق القاهرة في يناير 1952

وفي اليوم التالي 26 يناير1952 كانت القاهرة تحترق في غياب حكومة تحفظ الأمن وتحمي أموال الناس وأرواحهم، فقد تمرد رجال الشرطة وامتنعوا عن القيام بما كلفوا به من الذهاب إلى الجهات المخصصة لهم في حفظ الأمن وخرجوا في مظاهرة شبه عسكرية، تشارك المظاهرات الشعبية الساخطة على الإنكليز وجريمتهم البشعة في الإسماعيلية في اليوم السابق، حيث تم إحراق ألف وسبعمئة منشأة ومحل تجاري في أكبر أحياء القاهرة وأجملها.

تدخل الجيش في يناير 1952

وتدخل الجيش ليعيد الأمن والنظام إلى البلاد ويوقف الحريق والنهب الذي تسبب فيه غياب رجال الشرطة عن القيام بمسؤولياتهم في حماية أمن الوطن والمواطنين، كما تدخل يوم الجمعة 28 يناير 2011 لحماية المواطنين وأموالهم وممتلكاتهم ولحماية المنشآت العامة، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

المؤامرة والقصر

وكان القصر ضالعا في هذه المؤامرة، فقد كان كبار ضباط «البوليس» والجيش بملابسهم التشريفية في مأدبة غداء يوم 26 يناير 1952 أقامها الملك ابتهاجا بميلاد ولي عهده، فلم يأبه الملك لما أصاب جنود الشرطة البواسل في الإسماعيلية، ليؤجل هذه المأدبة احتراما لمشاعر جنوده وشعبه، فقد رأى في غياب رجال الأمن عن الشارع وما سوف يحدثه ذلك من فوضى، حجة لإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، ومنع التجوال وإقالة حكومة الوفد الوطنية، وحل مجلس النواب وتحديد موعد للانتخابات تم مده بعد ذلك لمدة غير معلومة، قامت بعدها ثورة 23 يوليو.

السيناريو يتكرر

إنه السيناريو ذاته، الذي حدث بعد انتفاضة الشباب والشعب في ميدان التحرير يوم 25 يناير، ولكن لا أحد يعلم أين، ومن أقام مأدبة العشاء لحبيب العادلي ومساعديه وضباط الشرطة وجنودها، ليتبخر رجال الشرطة فجأة، تمهيدا لنزول البلطجية والمسجلين الخطرين، الذين يعرفهم الحزب الوطني الحاكم جيدا، فهم أحد أركانه وركائزه في الانتخابات الأخيرة القاصمة لظهر الديمقراطية والحياة النيابية، وفي كل انتخابات.

ويبدو أن هؤلاء البلطجية والمسجلين الخطرين، قد كونوا ميليشيات لحكومة الأغنياء PLUTOCRACY، وهي نوع من أنواع الحكومات عرفه التاريخ بين أنظمة الحكم الشمولي، والتي يكون الحكم أو السلطة الفعلية فيها في أيدي أصحاب الثروة، وأن النفوذ الحقيقي فيها محصور في دائرة طبقة الأغنياء، بحيث تتركز السلطة بهم، وتكون مهمتهم الأساسية هي حماية ثرواتهم والعمل على زيادتها، فقد نزلت هذه الميليشيات إلى الشارع لتضرب المتظاهرين في ميدان التحرير.

ولكننا لم نعد بعد انتفاضة 25 يناير أو بعد الثورة الشعبية للشباب كما قال فينا نزار قباني:

نحن موتى لا يملكون ضريحا ويتامى لا يملكون عيونا

نتعاطى القات السيئ والقمع ونبني مقابرا وسجـونا

تحية لشباب مصر وشهدائها الذين أيقظوا الروح المصرية وأعادوا إلى شعب مصر كرامته.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top