حول مسجد نيويورك!
وكأن الدنيا بطولها وعرضها قد ضاقت بالمسلمين حتى يذهبوا إلى حيث وقعت كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي أعلن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري باسم الإسلام مسؤوليته عنها، ليبنوا مسجداً هناك ولتُثار كل هذه الضجة المفتعلة التي أدت إلى تخصيص بعض الكنائس الأميركية المتزمتة يوماً لحرق القرآن الكريم، ردّاً على هذه الخطوة التي يبدو أنها لم تدرس جيداً قبل البدء فيها.وبالطبع فإنه لا بد من تقدير الموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء هذه الخطوة، وعرض نفسه بسببه لحملة لا تزال متواصلة من قبل يمين الحزب الجمهوري وبعض الأوساط المسيحية المتزمتة، وأيضاً من قبل مجموعات الضغط اليهودية، وحقيقة إن هذا الموقف يحسب لعدالة القوانين الأميركية كما يحسب لهذا الرئيس (الأسود) نفسه.
وهنا فإن المؤكد أن الذين بادروا إلى إقامة مسجد في مسرح كارثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أرادوا الدفاع عن هذا الدين الحنيف، وتأكيد أنه بعيد عن هذه الجريمة، وأنه يدينها ويدين الإرهاب بكل صوره وأشكاله، لكن ومع ذلك فإنه كان على هؤلاء أن يتدارسوا الأمور جيداً ليتجنبوا إثارة كل هذه الضجة المفتعلة، ليس ضدهم وإنما ضد الإسلام وقيمه الشريفة والنبيلة.والمشكلة تكمن، حتى وإن فرضت القوانين الأميركية العادلة والراقية فعلاً على المعارضين رغم أنوفهم بناء هذا المسجد في المكان الذي حدده أصحاب هذه المبادرة التي يُشكرون عليها، في أن القوى المعادية للإسلام والمسلمين ستبقى تنظم اعتصامات ومظاهرات في كل ذكرى سنوية لهذه الجريمة، وبهذا فإن هذا الهدف النبيل لهذه الخطوة قد ينقلب إلى ضده، ويصبح يوم الحادي عشر من سبتمبر من كل عام يوماً لإثارة الأحقاد ضد هذا الدين وأهله، وخصوصا منهم الذين أصبحوا مواطنين في الولايات المتحدة الأميركية. ربما الوقت فات لثني أصحاب فكرة بناء هذا المسجد عن فكرتهم، وربما يفكر هؤلاء بطريقة غير الطريقة التي نفكر بها هنا في الشرق العربي والإسلامي، لكن وفي كل الأحوال فإن إحباط محاولات القوى المريضة والحاقدة هناك في أميركا يقتضي تحركاً عربياً وإسلامياً منظماً وواعياً، لاستغلال هذه الفرصة لإفهام الرأي العام الأميركي أن إقامة هذا المسجد ليست من قبيل تحديهم ولا من قبيل الاستهانة بمدى الجرح الذي خلفته جريمة الحادي عشر من سبتمبر، بل من قبيل تأكيد تآخي الديانات السماوية، وتأكيد أن الإسلام بقيمه النبيلة ضد هذا الذي جرى في عام 2001، وضد الإرهاب وسفك الدماء الذي ترتكبه تنظيمات إن لم تكن مشبوهة فإنها جاهلة.