انطلقت الهتافات في أرجاء المدينة «بالروح بالدم... نفديك يا سفاح». كان ذلك مبعث رضا للدكتاتور الذي برك على صدر شعبه، واستنزف ثرواته، وأهدر دمه. فهل هناك أي شيء يتم به فداء السفاح الدكتاتور غير الأرواح التي أزهقها بدم بارد، أو الدم الحار الذي سفكه دون حساب.

ومع أن صفة السفاح مزعجة إلى حد ما، فإن دكتاتورنا كان سعيداً بتلك الهتافات فهي دليل واضح وراسخ وفاضح على أن له هيبة بين جمهور شعبه العريض وأنه سيحكم سنين طوال بمجرد أن يطل عليهم بظله، فخياله فقط أو شبه خياله كان مخيفاً للجمهور، وهكذا لم يعد هناك حاجة إلى أجهزة أمن ولا قوات خاصة فالخوف قد انتشر في الفضاء وتحول إلى أكسجين الرهبة.

Ad

أما أولئك الذين يتحركون هنا أو هناك بكلمات معادية للدكتاتور فهم ليسوا إلا حفنة مأجورة، وسيقضي عليهم الشعب الخائف الرعديد الذي لن يسمح لأحد بالتحرر من الخوف، فقد حاصرهم من يمين ومن يسار ومن شرق ومن غرب فلا ملاذ لهم إلا بصوره التي تملأ المكان والزمان.

اعتاد الدكتاتور أن يطل على شعبه بطلّته البهية وابتسامته الشقية التي لا يكثر منها مخافة أن تتدحرج الهيبة لتصبح خيبة، كان لقاء محتوماً، «مزحوماً» بتطبيل وتدبيج تقرر له أن يكون يوم الجمعة من كل أسبوع، أما بقية الأيام فقد كانت تتنوع وتتشكل حسب مزاج دكتاتورنا الشقي.

وهكذا، ما بين طرفة عين وانتباهتها... يغير الله من حال إلى حال. بدأ المدسوسون، والمغرر بهم يستخدمون يوم الجمعة للتعدي على «الطرف الأغر» والدكتاتور المبجل. وشيئاً فشيئاً يتسلل المتطرفون وجعلوا من يوم الجمعة محطة لبيع تماثيل صغيرة كانوا يصنعونها من ماء ورمل وزفت ويصرخون «الدكتاتور» بسعر ليرة واحدة فقط، وعندما سألهم أحد رجال الأمن عن مكونات التمثال، غضب بشدة ولقنهم درساً وضربهم وحذرهم من ذلك الفعل، خاصة أن الدكتاتور لا يمكن أن يصنع بالزفت.

في يوم الجمعة التالي عادوا للبيع لكنهم هذه المرة أخذوا يعلنون بيع تمثال «نائب الدكتاتور» بذات السعر وعندما سألهم ذات رجل الأمن عن مكونات التمثال قالوا إنه رمل وماء فقط، فاستغرب رجل الأمن وتساءل عن سبب عدم وجود زفت فكان الرد بصوت واحد، حينها يصبح التمثال للدكتاتور.

هكذا وصلت الأخبار إلى الدكتاتور، ودون أن يتشاور مع أحد قرر أن المشكلة هي في يوم الجمعة، لذلك قرر إلغاء يوم الجمعة لتجنب الثورة. لم يكن يدرك أن أيام الأسبوع قد أصبحت كلها يوم جمعة.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة