* تتسارع الأحداث وتتشابك في ما بينها إلى درجة يصعب معها القطع برأي أو بضده في ما يتعلق بسيناريوهات الحرب أو التهدئة بين واشنطن وتل أبيب من جهة وطهران وحليفاتها الإقليميات من جهة أخرى.

Ad

من جهة أخرى، فإنه ورغم أهمية كل سيناريوهات الحرب أو التهدئة الموضوعة منها على الطاولة أو تلك المعدة للتمرير من تحت الطاولة لمستقبل المنطقة, فقد أصبح كلام الأمين العام لـ»حزب الله» اللبناني في مؤتمره الصحافي الشهير الذي كشف فيه أسراراً سمعية وبصرية استخباراتية خطيرة تعرض للمرة الأولى حول إمكان تورط الكيان الإسرائيلي في اغتيال رفيق الحريري هو العنوان، وهو الحدث بعينه ابتداء من التاسع من أغسطس، وهو المفاجأة الجديدة في سلسلة مفاجآت السيد والتي من شأنها أن تقلب صورة المشهدين الإقليمي والدولي كليهما!

فدوائر البيت الأبيض استنفرت فجأة لتبعد شبح الحرب عن المنطقة وتقول إن سيد البيت الأبيض يريد أن يعطي فرصة كافية للعقوبات الاقتصادية لتفعل فعلها قبل اللجوء إلى أي إجراء آخر!

أما مستشار الأمن القومي الأميركي فقد أطلق بالوناً هو الأول من نوعه منذ تولي الرئيس أوباما سدة الرئاسة في البيت الأبيض وذلك عندما قال: إن إمكان لقاء أوباما بأحمدي نجاد ممكن، والأمر يعتمد على تقدم مباحثات طهران مع مجموعة فيينا لتبادل الوقود النووي.

في هذه الأثناء يعلن رئيس لجنة شؤون الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني أن مجموعة فيينا قد قبلت بيان طهران للتبادل ما يعني أن المحادثات قد تنطلق في أي لحظة!

من جهتها، فإن شركة «لوك أويل» الروسية الكبرى تستعجل فجأة استئناف إرسال البنزين إلى إيران بعد توقف أعقب قرار العقوبات الشهير، وإذا بها تقوم بإرسال 25 ألف برميل منه إلى بندر عباس الإيراني على أن تعقبه فوراً شحنة أخرى خلال أسبوعين وذلك عبر أحد أذرع إمبراطوريتها الضخمة، وهي الشركة الإيطالية «ليناسكو»!

لكن الحدث الأهم في هذه الأثناء هو الاتصال الهاتفي لرئيس مؤسسة الطاقة الذرية الروسية المتعهدة بإطلاق العمل في مفاعل بوشهر الذري بوكالة رويترز للأنباء لإعلامها أن البدء في تغذية المفاعل بالوقود النووي سيكون في الحادي والعشرين من أغسطس الحالي، وهو ما سيحدث بالفعل على ما يبدو بعد مماطلة وتلكؤ دام سنوات طبقاً للتوقعات الإيرانية!

بالمقابل، فإن الاتهامات الإسرائيلية المركزة ضد حكومة «العدالة والتنمية» في أنقرة على خلفية انضمامها إلى المحور السوري الإيراني منذ بيان طهران الشهير حول التبادل النووي، والذي ضم إلى جانب تركيا البرازيل أيضاً، والتحفز المستمر ضدها منذ الهجوم الوحشي على قافلة الحرية وسفينة مرمرة, والحساسية البالغة التي يبديها حكام تل أبيب تجاه حكومة أردوغان ورئيس استخباراته هاكان فيدان بشكل خاص واتهامه بأنه بات الجسر الجديد لطريق قوافل تسليح «حزب الله»، كما جاء في تقرير مفصل لصحيفة «كوريري ديللا سيرا» الإيطالية على لسان مراسلها لشؤون الاستخبارات غويدو أولمبيو, يدفع البعض إلى احتمالات قيام الحكام الصهاينة بعملية عسكرية ما ضد أحد أطراف التحالف الإقليمي المتوسع ضد الكيان الصهيوني في أي لحظة خطأ في الحسابات أو غفلة من أحد الأطراف!

ومن باب الاحتياط والحذر واليقظة التامة وعلى الرغم من دعوة الرئيس نجاد أوباما إلى المناظرة والحوار واستعدادات الخارجية الإيرانية ومجلس الأمن القومي الأعلى لإنجاح الحوار مع مجموعة فيينا أثناء شهر رمضان المبارك على ما يبدو، وكذلك الجزء الثاني من الحوار مع المجتمع الدولي أي مع مجموعة «5+1» الذي يفترض أن يبدأ في سبتمبر المقبل، فإن الأنباء المتسربة من اجتماع قيادي مهم جمع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية مع قادة كبار من الوحدات الخاصة والبحرية الإيرانية تفيد بأن المرشد الأعلى قد أعطى تعليماته الصارمة: «بان يكون خليج فارس في قبضة البحرية الإيرانية تماماً تحسباً لأي طارئ» كما جاء على لسان قائد البحرية الإيرانية!

وهكذا سارعت بحرية قوات الحرس الثوري بالاستقرار الكامل في ميناء بندر عباس والانتشار بمئات القوارب المطاطية المدججة بالأسلحة الصاروخية المتطورة لتجعل العدو يندم على أي حماقة قد يفكر فيها كما جاء على لسان وزير الدفاع الإيراني، وهو ما عاد وأكد عليه وزير الخارجية لدى عودته من زيارة تشاورية مهمة له إلى دمشق!

ولكن يبقى الحدث الذي قلب الطاولة على رؤوس الصهاينة هو ما جاء على لسان نصر الله!

فالقرائن والمعطيات الخطيرة التي عرضها سماحة السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي المذكور تصلح بامتياز لأن تكون قاعدة قوية لمطالبة عامة من جانب الرأي العام اللبناني والعربي تتبناها المعارضة اللبنانية الوطنية للدعوة لتشكيل محكمة لبنانية وطنية مهمتها الأساسية البحث بجدية في ما إذا كانت المعطيات الجديدة هذه إلى جانب ما يزال يختزنه أرشيف السيد بعد، وهو الاخطر على ما يبدو، يصلح كمادة أولية غنية لاستصدار قرار ظني يتهم بوضوح الطرف الذي بات المشتبه فيه الأول باغتيال الرئيس رفيق الحريري، أي الكيان الصهيوني!

ومن لم يدرك أو يستوعب خطورة النقلة النوعية التي أحدثها السيد في مسار التحقيق حول اغتيال الحريري، فإننا نذكره بالقاعدة القانونية الأولية البسيطة التي تقول إن مجموعة من القرائن والمعطيات المتتالية والمتواترة والموثقة هي التي قد تقود إلى الدليل الدامغ لتجريم هذا أو ذاك من الأطراف المشتبه بهم!

وفي هذه الحالة التي نحن بصددها، فان سماحة السيد حسن نصر الله يكون من خلال القرائن والمعطيات المحكمة التي قدمها, قد قلب الطاولة عملياً على رأس لجنة التحقيق الحالية وأجبرها إن أرادت أن تبدو موضوعية على البدء من الصفر وبإطلاق تحقيق موسع مع القادة الأمنيين والعسكريين والسياسيين الصهاينة قبل الإقدام على أي خطوة أخرى في أي اتجاه كان, وهو ما يعني عملياً بداية النهاية لمسار لجنة التحقيق السابق, وربما إطلاق رصاصة الرحمة لاحقاً على المحكمة الدولية الحالية من الأساس والتي يجمع الحكماء والعقلاء من المختصين بهذا الشأن على أن ما من محكمة دولية أقيمت في تاريخ المحاكمات الدولية إلا وكانت سياسية وتابعة لحكم معادلة المهيمنين على القرار الدولي!

وعليه، فإن مفاعيل ما قام به سماحة الأمين العام لـ»حزب الله» اللبناني عملياً يكون فتح ثغرة أساسية في مخطط التآمر الدولي ضد محور المقاومة ما يعني أنه قد غيّر عملياً قواعد لعبة الكر والفر، إذا لم يكن قد غيّر قواعد الاشتباك في المنطقة بالتمام والكمال!

وهكذا يظهر لدينا جلياً تداعيات وتأثيرات مفاجآت سيد المقاومة في سياق لجنة التحقيق الدولية وانعكاسات ذلك على مجمل المشهدين الإقليمي والدولي!

السؤال الآن هو هل ثمة من أحد في العالم الغربي أو أي من حلفائه في المنطقة أو في لبنان من يستطيع أن يخرج الكيان الصهيوني من عنق الزجاجة التي أدخل نفسه فيها بعد أن قرر تحدي المقاومة في قراره الظني المفبرك؟ أم أن السيد أمسك بزمام المبادرة ولم يعد بالإمكان إنقاذ الصهاينة من حبل مشنقة جريمة اغتيال الحريري؟!

بين كلام السيد- الحدث والكلام الذي تم تداوله خلسة في الإعلام الغربي منذ بعض الوقت عن «الصفقة» المقترحة مع إيران حول ملفها النووي وأفغانستان، يظهر صانع المفاجآت اللبناني الأول، وكأنه هو من يمسك هذه الأيام بتلابيب اللعبة الإقليمية والدولية بامتياز!

وأن سيد المقاومة هذا الذي دخل في معركة مفاجآت جديدة مع العدو عنوانها المحكمة الدولية هو اليوم في جاهزية كاملة أيضا بما من شأنه أن يحول أي مغامرة يقدم عليها الكيان الصهيوني منفرداً أو بدعم من الإدارة الأميركية تجاه أي من حلفائه، فضلا عن أن تكون ضده مباشرة، إلى معركة نهاية الكيان مما سيشكل صفعة تاريخية مدوية لمخطط «الشرق الاوسط الكبير» الذي لطالما حلم به محور واشنطن- تل أبيب!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني