تعهد الرئيس أوباما ببدء انسحاب القوات العسكرية الأميركية من أفغانستان بحلول يوليو 2011، لكن في المقابل، صرح الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بأن حكومته لن تصبح جاهزة لتحمل عبء الدفاع عن البلاد ضد متمردي حركة "طالبان" قبل عام 2014، وهو تاريخ يكثر الكلام عنه راهناً بين أوساط المسؤولين الأميركيين.

Ad

هل يعني ذلك إضافة ثلاث سنوات جديدة على الجدول الزمني الأميركي؟ ليس بالتحديد!

في السنة الماضية، حين قرر أوباما تنفيذ طلب قادته العسكريين بزيادة عدد الجنود في أفغانستان، تكلم عن بند إضافي لحماية نفسه من خطر تكرار خطوة زيادة القوات بشكلٍ تدريجي ولامتناه. وقد حذر حينها من أنها ستكون آخر مرة يتم اللجوء فيها إلى زيادة عدد القوات العسكرية وأن الجنود الإضافيين سينسحبون في بداية شهر يوليو.  

وكما كان متوقعاً، سرعان ما أصبح تاريخ الانسحاب محور الاهتمام الرئيسي في الولايات المتحدة وأفغانستان على حد سواء: هل عنى ذلك أن الأميركيين سينسحبون من ساحة المعركة وأن حركة "طالبان" ستضطر إلى انتظار مغادرتهم قبل الزحف مجدداً باتجاه كابول؟

اعتبر أوباما ومساعدوه أن الوضع ليس كذلك، ولكنهم أدلوا بتصريحات متضاربة عن حقيقة معنى تاريخ الانسحاب، فقد وعد نائب الرئيس جو بايدن الديمقراطيين المضطربين بحصول عمليات انسحاب مهمة. في المقابل، أصر وزير الدفاع روبرت غيتس على أن عمليات الانسحاب ستكون محدودة على الأرجح، كما واجه المسؤولون في الإدارة الأميركية صعوبة في تفسير ما قد يحصل بعد يوليو 2011، ويعود ذلك جزئياً إلى أنهم هم أيضاً لم يفهموا معنى ذلك التاريخ.

في هذا السياق، اعترف أحد المسؤولين في البيت الأبيض، في الأسبوع الماضي، قائلاً: "حصل ارتباك شديد في أوساطنا".

وهكذا جاء كرزاي، عن غير قصد، لينقذ الموقف حين أعلن، عند تجديد انتخابه منذ عام، أن أفغانستان ستستعيد السيطرة على الأمن مبدئياً خلال خمس سنوات، أي في نهاية ولايته، عام 2014.

في البداية، لم يأخذ المسؤولون الأميركيون والغربيون ذلك التاريخ على محمل الجد كونه لم يكن جزءاً من مخططهم الاستراتيجي ولم يَبْدُ واقعياً. (حتى الآن، ثمة شكوك كثيرة في هذا المجال)، لكن يتزايد عدد الأشخاص الذين أصبحوا يعتبرون عام 2014 بمنزلة بصيص نور في نهاية النفق المظلم، بينما تسعى إدارة أوباما إلى إقناع دول أخرى في منظمة حلف شمال الأطلسي بإبقاء قواتها العسكرية في ساحة القتال.

في شهر يوليو الماضي، ساهمت قمة دولية عُقدت في كابول في دعم ذلك الهدف، وخلال اجتماع لدول حلف شمال الأطلسي في ليشبونة هذا الأسبوع، سيكشف الجنرال ديفيد بتريوس عن جدول زمني مفصل يمتد حتى عام 2014، على أمل أن يوفر هذا الجدول- كما يتمنى معدوه- إطاراً زمنياً مطمئناً ستوافق الدول الأوروبية بموجبه على إرسال عدد إضافي من المدرّبين والمستشارين إلى أفغانستان خلال السنوات المقبلة.  

بالمعنى الأوسع لهذه الخطوة، سيساهم تاريخ عام 2014 في تركيز الجدل القائم بشأن أفغانستان على أمرٍ أهم من حجم الانسحاب الذي سيبدأ في شهر يوليو المقبل، علماً أنه سيكون محدوداً في البداية، في حال حصلت الأمور كما خطط لها غيتس وبتريوس. ففي نهاية المطاف، تهدف الحرب في الأساس إلى إيصال أفغانستان إلى مرحلةٍ تتمكن فيها قوى الأمن الأفغانية- بعد أن تتطور كما يجب- من السيطرة على البلاد، بقيادة حكومة ذات أداء أفضل (لم تصل أيّ منهما إلى مرحلة التطور اللازمة حتى الآن).

في الأسبوع الماضي، كرر غيتس تأكيده أن الأميركيين لن يغادروا أفغانستان: "نحن نتكلم عن عملية قد تمتد طوال سنوات".

لاتزال إدارة أوباما تتجه نحو إجراء مراجعة شاملة للاستراتيجية المتبعة في السنة المقبلة، لكن إذا تمكن غيتس وبتريوس من إقناع أوباما بالموافقة على أن عام 2014 هو الهدف الصحيح، فقد يتراجع بعض الشيء عن تخفيض عدد الجنود بشكل جذري في عام 2011، لم يحدد المسؤولون موقفهم بعد من الشكل الذي سيتخذه نقل المسؤولية في عام 2014، فهم لم يتعهدوا مثلاً أن هذه الخطوة ستعني نهاية مهمة القتال الأميركية في أفغانستان، كما حصل هذا العام في العراق. بالتالي، يشكل هذا التاريخ هدفاً بحد ذاته، وليس مهلة زمنية غير قابلة للتغيير.

لكن يعتبر المسؤولون أن ذلك الهدف واقعي جزئياً نظراً إلى التطور الأخير الذي حصل على جبهتين على الأقل، مع أنهم يحذرون من أن التقدم الحاصل يبقى في معظمه منقوصاً، وليس حاسماً.

في قندهار، المحافظة الجنوبية التي يعتبرها المسؤولون الأميركيون أهم قاعدة لحركة "طالبان"، ادعى قادة بتريوس تحقيق سلسلة من الانتصارات التكتيكية مثل قتل بعض قادة المتمردين وهزم وحدات تابعة لـ"طالبان" في المناطق التي كانوا ناشطين فيها طوال سنوات.

وعلى جبهة التدريب، يقول القادة العسكريون الأميركيون إنهم سبقوا البرنامج الزمني المحدد لتعزيز قوة وحجم الجيش أفغاني والشرطة الأفغانية، وهما المؤسستان اللتان يجب أن تكونا جاهزتين لاستلام زمام الوضع في عام 2014.

لكن الوضع لا يقتصر على الأخبار السارة فحسب.

يسود اعتقاد بأن عدداً كبيراً من عناصر "طالبان" الذين هُزموا في قندهار مثلاً هربوا باتجاه باكستان المجاورة لإعادة تجميع أنفسهم. تعمد الولايات المتّحدة إلى الضغط على باكستان لتوجيه ضربة ضد "الملاجئ الآمنة" التي تختبئ فيها حركة طالبان في أراضيها بواسطة قواتها البرية، لكن باكستان ردت على تلك المطالب بالمماطلة، فسمحت للولايات المتحدة بزيادة عملياتها الجويّة بواسطة الطائرات بلا طيار، لكن يقول الطرفان إن هذه الخطوة لن تكون فاعلة بقدر الهجمات البرية.

كذلك ثبت عدم نجاح النضال الأميركي الطويل الأمد لتحسين فاعلية حكومة كرزاي وتخفيض حدة الفساد التي تُضعف الدعم الشعبي للحكومة. إنه مؤشر على الأهمية التي يوليها بتريوس للمهمة التي كلف بها أحد أبرع القادة العسكريين المقاتلين الأميركيين الذين شاركوا في حرب العراق، الجنرال ماك ماستر، ليقود حملة جديدة لمكافحة الفساد.

في النهاية، تهدف جميع هذه المساعي إلى إطلاق المفاوضات بين كرزاي وحركة "طالبان"، لكن على الرغم من التداول باحتمال إجراء محادثات في الأشهر الأخيرة، فإن أي مفاوضات فعلية لم تحصل. ويقول أحد أبرز الخبراء المتخصصين في شؤون حركة "طالبان"، مايكل سامبل الذي تخرج من مركز كار لحقوق الإنسان التابع لجامعة هارفارد، إن العملية الهجومية في قندهار أدت إلى إبطاء مسار المفاوضات، أقله على المدى القصير، لأن الاعتداء أقنع عدداً من عناصر "طالبان" بأن الولايات المتحدة "ليست مهتمة بالتوصل إلى تسوية سلمية".

بدأ البيت الأبيض العمل على مراجعة نتائج خطوة زيادة عدد الجنود الأميركيين، كما يفعل في نهاية كل عام، لكن اعتبر المسؤولون، في الأسبوع الماضي، أن هذه المراجعة لن تؤدي إلى أي تغيير جوهري في الاتجاه المُعتمد. فقال أحدهم: "نحن مقتنعون بأننا نطبق الاستراتيجية الصحيحة. الاستراتيجية ناجحة وهي تسير في الاتجاه الصحيح".

بدل ذلك، ستؤدي المراجعة في شهر سبتمبر إلى إصدار لائحة من التساؤلات التي يجب أن يأخذها أوباما بالاعتبار مع اقتراب صدور قراره بشأن عدد القوات العسكرية التي ستنسحب في النصف الثاني من عام 2011.

إذا كان أوباما يأمل في الحفاظ على الدعم الشعبي لحربٍ لا تحظى أصلاً بشعبية كبيرة- يشير أحد استطلاعات الرأي إلى أن 58% من الأميركيين يعارضونها- فيتعين عليه استغلال الفرصة ليتحدث عن أكثر من مجرد الانسحاب ويشرح رأيه في ما يخص دور الولايات المتحدة في أفغانستان بعد ثلاث سنوات، أي بحلول عام 2014.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus