تكويت الطائفية!
لعل السؤال الأهم والأخطر الذي يشغل أذهان الكثير من الناس، في خضم الأحداث المؤسفة والأجواء الكئيبة التي تعصف بالمجتمع الكويتي من جراء الاحتقان الطائفي وانعكاساته المتصاعدة على الأرض بشكل غير مسبوق، هو حول كيفية التعامل مع هذا الملف الناري وإخماد هذه الفتنة فوراً.وسبق أن أشرنا مراراً وتكراراً في موضوع التصعيد الطائفي إلى أن التعبئة المذهبية والنفسية للعواطف والمشاعر قد بلغت مرحلة متقدمة جداً، وباتت مسيطرة تماماً على عقول العديد من الأفراد والجماعات لدى السنّة والشيعة على حد سواء، كما أن الاستحقاقات السياسية خصوصاً لدى أعضاء مجلس الأمة والتزاماتهم أمام ناخبيهم قد تكون بمنزلة الماكينة التي لا يمكن أن تهدأ لبلوغ النجومية الشعبية أو المحافظة عليها، ثم تأتي وسائل الإعلام والاتصالات لتوثق مثل هذه الأحداث وتفاعلاتها أيضاً بطريقة دعائية شعارها "التوب لويد".
ولم تعد التصريحات الحكومية ولا المناشدات العقلانية ولا حتى توجيهات القيادة السياسية وتحذيراتها المتكررة مجدية في وقف هذا القطار المندفع، ولعل نموذج "التحدي عبر الندوات" خير دليل على ذلك وبغض النظر عن نتائجها وردود الأفعال عليها حتى هذه اللحظة.وما يؤكد أن الأبعاد الحقيقية للفتن الطائفية الكويتية منبعها الأساسي سياسي حتى النخاع هو طريقة استثمار التطاول الأخير على أمهات المؤمنين وتحديداً السيدة عائشة (رضي الله عنها) وربطها بالندوات الجماهيرية من جهة ورفع سقف المطالبة حتى سحب جنسية مؤجج هذه الفتنة الجديدة، وانحسار دائرة التصعيد السياسي بأعضاء مجلس الأمة إضافة إلى المرشحين السابقين لعضوية البرلمان ممن لم يوقفوا في الانتخابات السابقة! فالمسألة فاقت الانتصار للعقيدة والدفاع عن عرض النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فرغم الإجماع السني الشيعي على إدانة ما اقترفه فرد أقل ما يمكن أن يقال عنه "نكرة" والبيانات والتصريحات التي عبرت عن شجبها الصريح من قبل شخصيات سياسية وأخرى دينية وأخرى من النخبة المثقفة وحتى عائلة الحبيب نفسها، فإن ذلك لم يشفع في التهدئة وتغليب المصلحة الوطنية العامة وحفظ النسيج الشعبي أو ما تبقى من المزيد من التمزيق.وما يؤكد أيضاً الخصوصية السياسية والمحلية بالذات في هذه القضية الأخيرة انحسارها في المحيط الكويتي فقط، فإن التطاول على أم المؤمنين لم نجد له أي نوع من الانتصار في المحافل والمؤسسات الدينية العالمية والعربية ولم تتطرق إليه جامعة الأزهر ولا مجمع العلماء في السعودية ولم يستنكره كبار العلماء والمشايخ في العالم الإسلامي ولم تتناقل الفضائيات العديدة ذات الصبغة الدينية هذا الموضوع على الإطلاق، وهذا بحد ذاته دليل واضح على عدم وجود قيمة تذكر لشخص مثير هذه الفتنة أو مستواه العلمي أو مكانته الدينية أو حتى تأثيره الإعلامي.وما نستغربه بالفعل، وهو بيت الداء، الصمت العجيب لكبار الشخصيات والمشايخ الكويتيين في الدعوة إلى التهدئة والتعقل وعدم تأجيج الشارع العام لغايات أسمى، رغم نشاط الكثير منهم إعلامياً وانفتاحهم الكبير على القيادة السياسية وأولي الأمر، وتدخلهم المباشر في مواضيع عديدة، خصوصاً عندما تكون متعلقة بجمع التبرعات وأعمال الخير!فهؤلاء المشايخ من السنّة والشيعة لهم دالة و"مونه" كبيرة على عوام الناس وحتى نوابهم، وكلمتهم مسموعة ومكانتهم مقدرة ورأيهم الشرعي يحترم ومسؤولياتهم تتعاظم عند وقوع الفتن، فما السر في استمرار صمتهم؟ هل هو من أجل تكويت الطائفية؟!