وجهت إلى متابعي على الشبكة نصيحة صحية مهنية بالأمس قلت فيها: «مزاجك الرائق هو أثمن ما تملك، فلا تترك لأحد فرصة لأن يفسده لك»، وأحببت أن أتحدث هنا عن هذا الموضوع بشيء من تفصيل لعلي أجيب عن التساؤلات والتعليقات التي وردت حوله.

Ad

مسألة «المزاج الرائق»، وأهميتها في الحياة عموماً، على الرغم من وضوحها وبداهتها، ليست مدركة بعمق عند كثير من الناس... صحيح أن الناس تدرك، بشكل عام، أن المزاج الحسن الرائق أفضل من المزاج السيئ، لكننا لا نرى إدراكهم هذا ينعكس عميقاً على تصرفاتهم الإرادية، وسأوضح أكثر.

من المشاهد أن مزاج كثير من الناس، ولو قلت الأغلبية لما كنت عن الصحة ببعيد، مرتهن بالظروف والمؤثرات الخارجية، وألا تحكم لهم به على الإطلاق، ولذلك تسهل استثارة انفعالاتهم، واستدراجهم نحو التوتر والقلق وربما الاكتئاب، وذلك بسهولة من خلال جرهم إلى الجدالات والمشاحنات والمواجهات، وعندما يتعكر المزاج، ويخسر الإنسان صفاء نفسه، فإنه غالبا ما يفقد القدرة على التركيز واتخاذ القرارات الصائبة، والعمل بشكل جيد منتج، ويفقد الرغبة تبعاً لذلك بالتواصل الإيجابي مع الآخرين، وقد يظل أسيراً لهذه الحالة السلبية المتوترة المتشنجة لوقت قد يطول في كثير من الحالات، والذي سينعكس سلباً على سائر حياته.

تقول كتب التنمية البشرية إن حياة الإنسان تتشكل بنسبة عشرة في المئة من خلال تلك الأمور الخارجة على إرادته، والتي لا يستطيع تغييرها، وبنسبة تسعين في المئة من خلال قراراته وردود أفعاله تجاه هذه الأشياء. وهذا الكلام صحيح إلى حد بعيد، فذلك الإنسان الذي حكمت عليه الظروف، مثلا، أن يترك مقاعد الدراسة لوضع اجتماعي ما، هو صاحب القرار بعد ذلك في أن يستمر قانعاً مكبلاً بالوظيفة البسيطة التي اضطر إلى الالتحاق بها مجبراً، أو أن يعمل ويقوم بإكمال دراسته في الوقت نفسه في الفترة المسائية، وذلك الإنسان الذي خسر فرصة مالية ما، هو نفسه صاحب القرار بعد ذلك في أن يستسلم وينسى التجارة تماما ويظل قانعا بوظيفته المتواضعة، أو أن يعود ليحاول مرة أخرى فينجح، وغيرها وغيرها من الأمثلة.

أغلب القرارات وردود الأفعال الحياتية تكون مرتبطة بتوقيت محدد لاتخاذها وإلا ضاعت الفرصة على صاحبها، ودون المزاج السليم الرائق، ودون المشاعر المنضبطة الصحيحة، فإن الإنسان لن يكون قادراً على اتخاذ قراراته بشكل سليم.

كم من شخص من حولنا، في لحظة غضب أضاع فرصة مهمة لحياته! وكم من شخص حولنا، في لحظة انفعال خسر علاقة مهمة في حياته! وكم من شخص حولنا، في لحظة تهور أقدم على تصرف كارثي خاطئ أودى بمسيرة حياته! ولهذا فأهمية المزاج السليم الرائق أكبر بكثير مما قد يتصور البعض.

ولكنني، ومع ما قلت، أدرك تماما أن التحكم بالمزاج ليس سهلاً جداً، وأن القدرة على ذلك تتفاوت بين الناس، ولكنني في ذات الوقت أعلم يقينا أن كل إنسان قادر على إعادة برمجة نفسه في النهاية بقليل أو كثير من الجهد، وتحسين هذا الجانب فيه، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم».

وعليه فمن الضروري لنجاح حياة الإنسان ألا يترك مزاجه ومشاعره نهبا للظروف والمؤثرات الخارجية، وأن يضع في وعيه وإدراكه أنه قادر على السيطرة عليها، بالإصرار والتدريب والممارسة، ولهذا أعود لأقول، مزاجك، مزاجك، مزاجك، هو أثمن ما تملك، فلا تترك لأحد أو لشيء فرصة لأن يفسده لك!