لا شك في أن الشعوب العربية عانت الظلم والاضطهاد، والإهمال، وضياع الحقوق طوال العقود السابقة التي تلت تحررها من الاستعمار الخارجي، لتقع فريسة الانقلابات العسكرية وتبدأ مشوارها مع التخلف وحكم الفرد المطلق، وتزوير الإرادة الشعبية، فأصبحت معظم الدول العربية سجوناً كبيرة لشعوبها، لذلك لن نتوقف كثيراً لنسأل أنفسنا لماذا تثور الشعوب العربية هذه الأيام وهي مفتوحة الصدر دون أن تخشى نار الحكام وحديدهم وعديدهم، فقد ملت تلك الشعوب الموت البطيء، وخرجت طلباً له ثمناً لكرامتها وعزتها، فأشرف لها أن تموت موتة الأبطال من أن تموت موتة الحمير والبغال، لكن السؤال الملح هو هل يصل أولئك المناضلون الشرفاء إلى هدفهم الذي قدموا دماءهم وأرواحهم ثمناً له؟ هل بثوراتهم تلك تتبدل بلدانهم وتتحرر من عبودية الأصنام التي تسلقت على ظهورهم أثناء حروب التحرر من الاستعمار؟

Ad

إن المؤشرات في تونس ومصر لا تبشر بخير، فبعد سقوط نظامي الحكم لاحت بيارق المتربصين من الأحزاب النائمة وانتفضت جحافل المتسلقين لتشغل حيزاًً كبيراً من الصفوف الأمامية في الصورة، فملأوا شاشات القنوات الفضائية بالخطب الرنانة، وقصص البطولة، وتباكوا على الشعب وحقوقه، وانهالوا على سب النظام البائد وشرّحوا كل أيامه ولياليه.

الخوف أن يبذل الشباب أرواحهم من أجل تغيير نظام دكتاتوري إلى نظام آخر انتهازي متربص يقطف الثمرة دون جهد أو تعب.

الشعب الآن في تونس والقاهرة يريد التغيير دون إبطاء أو تأخير، ولو تم له ذلك وجرت الانتخابات فلن يفوز فيها إلا الجاهز من الأحزاب، التي تملك الكوادر، والتنظيم، والانتشار، والخبرة التي اكتسبتها عبر السنين وتجاربها السابقة وأموالها الكثيرة التي لا يمكن أن تدار حملة انتخابية معتبرة من دونها.

أما الشباب الذين كانوا وقود الثورة فيحتاجون إلى وقت كبير كي يستطيعوا تنظيم أنفسهم وتشكيل أحزاب لهم، والوصول إلى برنامج انتخابي وشعارات تلمس احتياجات الشعب وطموحاته، فالعملية الانتخابية أكثر تعقيداً، وأصعب إدارة من عملية الدعوة إلى مسيرة احتجاجية، أو تحريك مظاهرة في الشارع.

لذلك كله نرجو من الشباب الانتباه إلى ذلك والانشغال بتنظيم أنفسهم والاجتماع في ائتلاف واحد بدلاً من تفرقهم وانشغالهم بالبرامج الفضائية والمقابلات الصحافية.