اضرب... تُضرب!
كل الذين لجؤوا إلى العنف عبر التاريخ من أجل حل خلافاتهم خسروا، لا أحد ربح منهم أو كسب، وإن كسب فالمكاسب مؤقتة، لا تتجاوز الساعات أو الأيام أو الشهور، فالعنف لا يحل مشكلة، ولا يقرب وجهة نظر، ومن المستحيل أن يقنع المخالف، شيء واحد من المؤكد أن العنف يقدمه، هو الكراهية، ورد الفعل المضاد الذي قد يفوقه في القوة والشراسة!ما يحدث اليوم هنا، أن الجميع أصبح يلجأ إلى العنف، الحكومة ومعارضوها وأنصار الطرفين، وكل في غيّه يستند إلى القانون مفسراً إياه حسب مزاجه، الأول يقول إن واجبه تطبيق القانون وإن استدعى الأمر أن يدوس في بطون الناس، والآخر يرفض الانصياع بحجة عدم دستورية ذلك القانون، والمواطنون منقسمون بين صواب هذا وخطأ ذاك، وقناعاتهم تصنعها وسائل الإعلام التي يستقون منها المعلومات والتحليلات، وهي أس البلاء وأم التناقضات، فكل صحيفة وقناة فضائية تصوغ الخبر وتحلله حسبما يريد ملاكها وتقتضيه مصالحهم، إن كانت مع الحكومة أو ضدها!
والذين قالوا عن المؤتمر الذي عقدته بعض قيادات وزارة الداخلية بخصوص أحداث العنف الأخيرة إنه يذكرهم بمؤتمرات "محمد سعيد الصحاف" بالغوا في ذلك وخلا تشبيههم من الذوق والحصافة، وإن لم يخل ذلك المؤتمر من بعض الزيف في تصوير أفراد القوات الخاصة كضحايا أبرياء معتدى عليهم من قبل النواب والحضور في تلك الندوة، وهو ما تنفيه تماماً لقطات الفيديو التي شاهدها الجميع، وتبيّن بجلاء ووضوح الأسلوب الفج الذي اتبعته هذه القوات ضد مواطنين عزّل لا يحملون في أيديهم حجارة أو عصيا أو قضبان حديدية، لقد كانت قسوة في غير محلها، وهيجانا لا مبرر له إطلاقاً، سوى أن دافعه للانتقام أو ربما "تربية" هؤلاء المجتمعين لنصرة الدستور! فالحدث الأخير مرتبط بما سبقه في ديوان النائب أحمد السعدون، حين اعتدى بعض حضور ندوة "إلا الدستور" على محمد الجويهل اعتداءً يفوق في قسوته اعتداء القوات الخاصة على المجتمعين في ديوان الحربش، وحين سئل النائب السعدون لماذا لم يقم بحماية الجويهل من الاعتداء قال إن الاعتداء تم خارج الديوان، ولهذا فهو غير مسؤول عن حمايته، ولذلك، صدرت الأوامر العليا بمنع التجمهر خارج الدواوين أثناء إقامة الندوات، حتى يلتزم المنظم لهذه الندوة أو تلك بمسؤوليته عما يجري بها من أحداث ولا يكون له عذر في حدوث أي غوغائية في هذه الندوات.الحاصل، أن عنف أنصار "إلا الدستور" نتج عنه عنف حكومي مضاد، وشهدنا أحداثاً لم نشهدها من قبل، فقد تحول حوار الأفكار والرؤى والتوجهات إلى حوار اللكمات والهراوات والعصي، ورأينا ما كنا نراه يحدث في بعض الدول على شاشات التلفزيون ونحمد الله في كل مرة على نعمة الأمن والأمان والاستقرار الذي نعيشه في ظل نظام ديمقراطي وأسرة حكم تحظى بمحبة مواطنيها ورضاهم، لقد كان مشهداً غريباً لم تعتده عيوننا، فقد كانت العلاقة دائماً ودية بين الحكومة والمعارضة، وهي معارضة لا نظير لها في العالم، تقوم على معارضة الأداء لا الوجود، والخلافات في وجهات النظر لم تفسد يوماً للود قضية بينها وبين الحكومة مهما بلغت حدتها واشتدت وتيرتها... فما الذي حدث؟ وما سر هذا اللجوء إلى العنف في غير حاجة أو ضرورة؟!حقيقة لا أعلم، كل ما أعلمه أن الاعتداء على محمد الجويهل، مهما كانت مبرراته وأعذاره كان خطأ جسيماً، وما حدث من اعتداء للقوات الخاصة على المجتمعين في ديوان الحربش كان خطأ أكبر بكثير، والخشية كل الخشية من تبعاته، فالمواطن الذي كان يذهب إلى هذه الندوات وهو أعزل ومطمئن ولا يحسب حساب أن يُعتدى عليه، قد يحضر مستقبلاً وهو محتاط و"مجهز نفسه"، ولا نريد أن نضع رؤوسنا في الرمال ونضحك على أنفسنا، فمن بعد الغزو العراقي امتلأت بيوت كثير من المواطنين من بقايا أسلحة الجيش العراقي، وهي مشكلة لم تحلها الحكومة مع الأسف منذ زمن طويل، والخوف كله أن تتبع الحكومة العنف كسنّة لها في أي ندوة أو تجمع قادم، فيكون الرد من بعض المتشنجين عنفاً مضاداً، لندخل في نفق مظلم لا نعرف كيف نخرج منه.ما حدث قد حدث، وعلينا أن نتعلم منه ونأخذ منه العبرة، فكلنا مع تطبيق القانون واحترامه من غير ضرورة لاستخدام هراوات القوات الخاصة، وعلى الجميع أن يحترم رجال الأمن أو القوات الخاصة لأن مهمتهم هي تنفيذ القانون، وعلى من يعترض من النواب على دستورية القانون أن ينفذه أولاً، ثم يلجأ إلى القضاء محتجاً عليه، لا أن يثير حضور ندوته لتنشب مواجهة مع هذه القوات فيخسر الجميع، المعتدى والمعتدى عليه... ونحن جميعاً!