فلتعالج القضية قبل الثورة!
عادت قضية «البدون»، أو المقيمين بصورة غير قانونية، كما تسميهم وزارة الداخلية، في تسميتها المليئة بالتناقضات، إلى الصدارة مجددا، وهي القضية التي لم تخمد مأساتها في يوم من الأيام طوال الفترة الماضية، حتى إن حاد التركيز الإعلامي عنها لبعض الوقت... عقود طويلة استغرقتها الحكومة في إعطاء الوعود تلو الوعود للحل، دون إظهار أي جدية حقيقية لإنهاء هذه المشكلة المتراكمة، ككرة ثلج تتدحرج من أعلى جبل، فتوشك أن تسقط علينا جميعا!شاركت شخصيا في العديد من الأنشطة البرلمانية والشعبية المرتبطة بقضية البدون، ورأيت عن قرب، ولأكثر من مرة، وعلى عهد أكثر من وزير للداخلية، كيف أن الحكومة لا تريد حتى أن تشعر نفسها بوجود قضية ملحة تستدعي حلا عاجلا، وكيف أن كل مقترحاتها للحل كانت تأتي باردة متلكئة وغير جادة!
لهذا، وبالرغم من أني لو علمت عن تظاهرات البدون التي جرت في الجهراء والصليبية لكنت حاولت إثناء أصحابها عنها، فإنني أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت إلى الحكومة بمدى حساسية قضية البدون وخطورتها، ولزوم معالجتها على وجه السرعة.في مارس 2010، أي قبل عام تقريبا، كتبت مقالا وجهت من خلاله رسالة إلى شباب البدون ممن كان سبق بأشهر عديدة أن حادثتهم بذات الأمر، وذلك قبل أن يظهر في عالمنا العربي أي بوادر للتظاهرات، ناهيك عن الثورات، اقترحت عليهم من خلالها القيام باعتصام سلمي صامت دون انقطاع، وقلت إن هذا التحرك سيجعل من قضيتهم على رأس الأولويات عند الجميع، لكني لم أجد أي استجابة منهم آنذاك، وها أنا اليوم أرى بعضهم ينتفض في هذه التظاهرة، تأثرا بالأحداث من حولنا.إن من ينكر وجود مشكلة البدون ولا يدرك حجم المعاناة الإنسانية المرتبطة بها، إما شخص تخفى عليه تفصيلات المعلومة، وإما متكبر عن الاعتراف بالحق لسبب من الأسباب، لكن ليدرك الجميع أن انفجار البدون اليوم، وخروجهم عن صمتهم، تأثرا بما يجري في العالم العربي أجمع، ليس شيئا نابعا من فراغ بل هو قائم على قضية حقيقية مستحقة، حتى إن اختلفت معها من باب الأسلوب والكيفية والتوقيت، لا المبدأ كما أوضحت سابقا.أقولها وأنا أدرك حجم المعارضة التي سألاقيها من البعض، كما سبق أن رأيت ذلك لمرات عديدة، لكنني سأظل مؤمنا إيمانا مطلقا بأن حل هذه القضية دون تباطؤ، اليوم قبل الغد، سيأتي بالخير لهذا البلد وأهله على مستويات عديدة، وأن كل محاولات الرفض أو التجاهل أو التمييع والمماطلة لن تجر علينا إلا نكالا وسوءا. إن كان البدون قد خرجوا اليوم بهذه التظاهرة السلمية الصغيرة، ومع ذلك جرى التعامل معها أمنيا بهذه القسوة المفرطة وغير المبررة مطلقا، فلا ضمانات من خروج المزيد من التظاهرات بشكل أكبر، ودخول النماذج السيئة والمفسدة في أواسط المتظاهرين لزعزعة الأمن، وقد كررناها ورأيناها لمئات المرات، إن العنف لن يؤدي إلا إلى المزيد من العنف، وإن كان يظن أحد أن الكويت تختلف عما يجري في العالم العربي، وأن الشدة والقبضة الحديدية قادرة على احتواء المشهد، فإنه يخدع نفسه بمثل هذا التفكير المغرق في السذاجة بل الغباء.من حق الناس، بأي فئة من فئاتها، أن تخرج في تظاهرات سلمية لتعبر عن مطالباتها المشروعة إن وجدت، ومن الواجب على الجهة المسؤولة أن تستمع إليهم وأن تتعامل معهم وفقا للقانون على مقياس العدل والحق.ومن اللافت أن البعض ذهب يستنكر على البدون المتظاهرين مناداتهم بتغيير السيد صالح الفضالة، الذي يرأس الجهاز المكلف منذ أشهر لمعالجة قضيتهم، وذهب هؤلاء إلى القول إنه لا يصح المس بأحد رجالات الكويت الأفاضل، لكنني لا أرى وجاهة لقولهم هذا، فالاعتراض على وجود الفضالة على رأس اللجنة، لا يمس قيمته الشخصية أو مكانته الاجتماعية في شيء، فالعاقل منا قد يمنع أخاه أو ابن عمه عن تولي مهمة ما، إن هو رآه لن يكون مناسبا لها، ولا شأن لذلك بأصله وفصله، وكل تاريخ صالح الفضالة وسيرته السابقة في عمله البرلماني ونحو ذلك، تشهد بأنه لم يكن في يوم من الأيام إيجابيا تجاه قضية البدون، فكيف لا تريدون لهم أن يطالبوا بتغييره. أنا شخصيا أطالب بتغييره!يا حكومة... يا برلمان... يا مؤسسات وفعاليات المجتمع المدني... لابد من حل قضية البدون، الآن الآن، وليس غدا، وإن كان هناك من يؤمن بألا أحقية لأي شخص منهم بالجنسية على الإطلاق، فليتم إثبات ذلك عبر الإجراءات القانونية الواضحة، وليتم منح الجميع حقوقهم الإنسانية، من صحة وتعليم وحق بالعمل وغيره، وليتم محاسبة من أخفوا هوياتهم الحقيقية وادعوا عكس ذلك وترحيلهم، ولنتخلص من هذه القضية إلى الأبد! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة